منتخبنا .. بلا ماء ولا كهرباء

المعتصم البوسعيدي

هل هي محاولة مني لجذب الانتباه؟ نعم، هل هي محاولة مني لإسقاط واقعنا المعاش على واقع المنتخب؟ نعم، فمن ذلك "الحزن العميق" على فقدان كثير من المناطق والولايات لخدمة الماء والكهرباء في نهضة عُمانية تقارب النصف قرن وضعت الإنسان هدفها الرئيس ورؤيتها المستدامة، إلى ذلك الشعور الكئيب عند مشاهدة منتخبنا الوطني وهو يتراجع، بل وهو يفقد الثقة، فكأننا نبحث عن شيء ما من زمن ما، وبقدرِ ما نتمنى نهاية سعيدة لسنا متفائلين ولا نرى في نفق العتمة حتى ذلك الضوء الشارد.

كنت قبل كأس الخليج الأخيرة أستمع وأشاهد الميسيو بول لوجوين في تقرير إحدى القنوات الخليجية يتحدث عن استعدادات المنتخب حيث تحدث الفرنسي ببلاغة كلامية جميلة عن "الشعب العماني العظيم والرغبة في أن يقدم له شيئا يستحقه" وخالجني ذلك الشعور بوجود فلسفة موليير وفولتير وجان جاك روسوّ، وأن هذا الرجل هو من سيقود حملة التنوير للكرة العمانية، فقد بدا لي أنّه يحمل "حلم وطن" ويعمل على تحقيقه رغم كل الصعاب التي مرت به وهو على رأس الجهاز الفني، رأيت صمته فقرنته بالحكمة، وتعلقت بالآمال الكبيرة من قدرته الفنية بعد خماسية الكويت الشهيرة ليس للفوزِ يومها؛ بل لسحر الكرة التي جعلت من المعلق المبدع الأستاذ رؤوف خليف يردد كلماته المشهورة "شيء كبير يا عمري شيء كبير" كما رددت القراءات التحليلية آنذاك عن ثمة ثقافة لعب ومنهج فني من الطراز العالي في الأحمر العماني.

ذهب كأس الخليج وعدنا كما كنّا، وأتى كأس آسيا وسقطنا من حيث ندري ولا ندري، ومرت سحابة صيف حجب الثقة، ونالت النفوس إرهاق الخبر بين الإقالة وعدمها وتشبث الاتحاد العماني في نهاية المطاف بالمدرب رغم مطالبات الشارع الرياضي قبل أي شيء آخر بإقالته بعيدًا عن أي "فتاوي فنية"، وعلى هذا فإن الاتحاد وضع نفسه على "المقصلة" فكل سقوط سيأتي هو "لوجوين" ومن أبقاه، وكل تعثر هو "لوجوين" ومن يقف معه، وأنى "انقطع الماء" فالمسبب معروف ولكنه سيتوارى خلف السبب كمنظومة كرة القدم العمانية وفوارق واقعها عن واقع الآخرين ورغم حقيقة هذا السبب لكنه لا يمثل كل الحقيقة بالتأكيد، وفي زمن باتت "الكهرباء" ضمن ثلاثية الحياة (الماء، الهواء، والطعام) لا زلنا كل صيف نعيش "انقطاعها" محاولين استراق الخبر اليقين من "مكاتب الطوارئ" التي نعلم مسبقًا تعليلها وتحليلها لكن أكثر ما يزعجني هي عبارة بالدارج المحلي "طايحات حطب كهرباء" فهل للمنتخب "حطب" يجرفها وادي أو تسقطها رياح، وهل في رحلته القادمة بالتصفيات المزدوجة مخاطر ستفتح الملفات مرة أخرى وتعيد شريط "هرمنا" وهل "هرمنا بالفعل وحان وقت الاحتراق!!

يقال "العين التي لا تبكي لا تبصر الواقع شيئًا" فهل بكت العيون لتبصر طالب يستعد لامتحانات مفصلية يعيش يومه يستجدي "ماء" يشربه أو يستحم به "وهواء باردا يغفو عليه ليصحو على "ضوء" يراجع به دروسه دون أن يكون هناك "انقطاع" يحول بينه وبين ذلك ـ هذا كمثال ليس للحصر ـ هل بكت العيون يا "لوجوين" لتبصر أنّه لا جديد في المنتخب وأنك فاقد "دعم الجمهور" وثقة "العمانيين" في منتخبهم رغم صدق النوايا فلا أحد يحب الخسارة ولا أحد يعمل لها، ولا أحد يشكك في المساعي وحبات العرق التي تسقط والتضحيات التي تقدم، ولكنها النتائج التي تفقد كل خطة رونقها والتراجع الذي يعيد كل الخطوات التي تسير للأمام إلى المربع الأول، والصورة التي لا تحتاج لتقنية الجودة العالية لنراها كما هي بطبيعة ألوانها الحقيقية.

اليوم يقف منتخبنا أمام اختبار جديد على طريق مليء بالأشواك والورود، اليوم لا نريد أن نثني العزائم لكنها هزيمة النفس التي ولدت قبل ذلك، شخصيًا مقتنع أن الفرنسي بات "فاقد الشيء لا يعطيه" وأتمنى أن أخسر قناعاتي؛ فالخسارة هنا فوز على أي حال، والحلول التي ربما تسعف الأحمر ـ في نظري ـ تتمثل في الاشتغال الإداري والتعامل مع المنتخب كأزمة والاعتراف بها فبدون الاعتراف لا نقدر ما نحن عليه حقًا، على الاتحاد أن يفعل ذلك وأن يتعامل مع التفاصيل الصغيرة قبل الكبيرة بجدية وحزم وأن ينقل كل ذلك برمته للاعبين لأن الرجاء فيهم أكثر من غيرهم، فمعهم نتطلع لظهور مختلف لمنتخبنا ليس على مستوى "تقليعات الحلاقة" التي يجب أن "تتلاشى" فحريتها إيذاء لشعار السيفين والخنجر ومن هم مرتبطين به من بشر هذا الوطن العزيز، أقول ذلك "ولنتناقش لا نتحامل" ومهما اختلفنا فنحن نتفق على الأحمر، فهو يملك أفضل مما عليه الآن وربما أصابه "انقطاع في الماء والكهرباء" الأمر الذي يحتاج لتوفير الخدمة وإدامتها لا لإعادتها لأن أصل الوجود هو العدم، ولميسيو لوجوين أبعث رسالة بجملة فرنسية "منقولة" (quoi de nouveau) هل من جديد؟!.

تعليق عبر الفيس بوك