دراكولا الشاشة

مريم العدوية

"اجعلها بسيطة، اجعلها سهلة التذكر، اجعلها تدعو من يراها لتأملها، اجعلها متعة عند القراءة."

ليو برنت،،،

ما تكاد تمسك بجهاز التحكّم وتبدأ بتقليب خيارات قائمة القنوات التلفزيونية وتتوقف قليلا حتى تصطدم بالفواصل الإعلانية التي تبدو وكأنها حجر الأساس في القنوات، حيثُ إنك تجد نفسك مجبراً على متابعة الإعلان في الساعة الواحدة أكثر من مرة!

وإن كانت الإعلانات التجارية قد بدأت في بدايتها كفكرة لترويج المبيعات ودعم البرامج إلا أنها مع الأيام لم تكتفِ بصفتها تلك بل امتدت لتأثر على حياتنا بشكل أكبر. لقد اغتالت كل مناشط الحياة وأصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتنا من دون أن نشعر واستسلمنا لعبوديتها من جانبنا! فالصورة والمشهد الذي يتكرر دخوله إلى اللاوعي يشكل معلومة مركزة تتحول مع الوقت إلى الوعي ومن ثم إلى برمجة حركاتنا وأفعالنا، ومع تلميع صورة المنتج وإقناع المشاهد الذي يفتح عينيه بكل اتساعهما على الشاشة من غير حول منه ولا قوة يصبح المنتج هو الأفضل والأنسب بل والخيار الوحيد.

لقد طالت مخالب الإعلانات التجارية كل المراحل العمرية، فحتى قنوات الأطفال أصبحت لا تفتأ تغرس في الأطفال النهم الاستهلاكي وحب الامتلاك ونشوة التسوق! ناهيك عن الأساليب المبتذلة التي يتم فيها اصطياد المشاهد ليتحول من مشاهد إلى مستهلك بالدرجة الأولى. ومن هنا استطاعت الإعلانات التجارية القفز من الشاشات المتلفزة إلى مواقع التصفح بل والجرائد والمجلات والشوارع لنجدها أينما يممنا وجوهنا، بل بتنا نشكحتى في صورنا على المرايا!

إن ما نحتاجه اليوم هو الكثير من الإنسانية والأخلاق في كل شؤون حياتنا عِوضا عن الركض خلف الربح والانتصار المزعوم - لا انتصارًا حقيقيًا بين طرفين غير متكافئين منذ البداية-؛ فكيف للمشاهد البسيط أن يفوز في حرب الإعلانات الضروس التي يقف خلفها من أعد العدة ودرس كل نقاط الضعف لدى الآخر ويعرف تمامًا من أين تؤكل الكتف؟!

ناهيك عن اتباع أرذل السبل لكسب عدد مشاهدين أكثر، والعزف على بيانو الشهوات والأهواء، ومن جانب آخر الكذب المفضوح الذي يقدم السم على أنه عسل بلا مبالاة مقيتة هذه المرة وغير مكتف بخلط السم بالعسل؟!

يرتفع معدل دخل الفرد ويبقى الصراخ بارتفاع المعيشة ومتطلبات الحياة التي لا تنتهي ونشيح بوجوهنا يمينا ويسارا ونغفل عن أساس المشكلة المقابلة لوجوهنا كالعميان! وننسى بأن الإعلانات التجارية وشاكلتها قد ساهمت في جعل كل ما هو كمالي أساسيًا في حياتنا ولا غنى عنه!

وفي القرآن الكريم حث الله تعالى المؤمن على حسن تدبير ماله فقد قال جلّ في علاه: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) سورة الإسراء، الآية 17

كما أنّ الرسول - صلّى الله عليه وسلم- أشار في الحديث النبوي إلى المال الذي سيسأل عنه المرء يوم القيامة من أين اكتسبه وفيما أنفقه قال (صلّى الله عليه وسلم): "لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ" رواه الترمذي وابن حبان.

ومن هنا يأتي دور الأهل والمربين على تربية الطفل تربية تجيد النقد والاختيار وتستطيع إدارة الذات والمال ولا يمكن ترويضها لتصبح فريسة تتبع شهوة التملك والتسوق بغير غاية وهدف. وهذا لا يتأتى بكل تأكيد للمربي الذي لم يشحذ ذاته أولا لينتصر لنفسه ويفك قيد الإعلانات التجارية التي تأخذ المرء بأضوائها البراقة والخادعة إلى طريق لا رجعة بعده كلما مشى المرء فيه يجد نفسه موغلا في طريقه.

الإعلان / الدعاية / الإشهار هو: أحد الأنشطة الإعلامية التي لا غنى عنها للأنشطة الاقتصادية من صناعة وتجارة وخدمات وغيرها من الأنشطة الاقتصادية. وكذلك بالنسبة للمؤسسات والمنظمات الخيرية وغير الربحية والتي بدون الإعلان عن مجهوداتها فلن تحصل على الدعم المجتمعي والتمويل المادي اللازم لاستمرارها في عملها وأدائها لرسالتها. ولكن من حق المستهلك بكل تأكيد دائماً أن يحافظ على حقه ويدير حساباته وماله من جهته من غير ضرر ولا ضرار.

تعليق عبر الفيس بوك