أليس من قاع للانحطاط العربي؟

عبد النبي العكري

إن تقليباً سريعاً للقنوات الفضائية لمتابعة الأحداث العربية في يوم واحدٍ، كافٍ للتدليل على أن هناك ما يعرف بسقوط الوضع العربي والانحطاط بدون قاع، فلم يشهد تاريخ العرب، منذ عاد وثمود، حتى إلى ما قبل 2011، مثل هذا الانحطاط، ولا حتى في عهد الجاهلية الأولى أو غزوات المغول أو الصليبيين.

قوات "داعش" وأخواتها تسيطر على ما يقارب من نصف مساحة سوريا وثلث مساحة العراق، ومن بينها مدن كبرى مثل الموصل والرمادي في العراق، ودير الزور وإدلب وجسر الشغور وبصرى الشام وأخيراً تدمر في سوريا. والقوات العراقية النظامية تهرب من المواجهة أمام قوات «داعش» من مدينة الرمادي، والقوات السورية النظامية تهرب من المواجهة أمام قوات «داعش» في تدمر.

وعلى كل جبهات القتال ضد «داعش»، جرت مذابح بحق المدنيين والعسكريين الأسرى، تقشعرُّ لها الأبدان واستبيحت المحرمات، حيث أُخذت النساء سبايا، والأطفال عبيداً، وجرى تدمير شواخص الحضارات الإنسانية لآلاف السنين من الآشورية والتدمرية، والبابلية والرومانية والمسيحية والإيزيدية والإسلامية.

في اليمن الذي بالكاد دخل القرن العشرين في الستينيات، تأتي الحرب على ما فيه من بنية تحية ومرافق عامة وبيوت متهالكة، وبالطبع مجمل معسكرات وأسلحة ومرافق الجيش والأمن اليمني. أما الغارات الجوية والقتال بين اليمنيين أنفسهم، في المناطق والمدن الممتدة من تعز إلى عدن فعلى أشده، وقد حصد الآلاف من المقاتلين والمدنيين، وتسبب في نزوح مئات الألوف من اليمنيين داخل اليمن وخارجها، باتجاه السعودية وعُمان وشرق أفريقيا بما في ذلك الصومال المنكوبة، فلنا أن نتصوّر فظاعة الأمر.

بيت المقدس، أو ثالث الحرمين الشريفين، هو ويا للغرابة اسم التنظيم الإرهابي على أرض الكنانة، ويقوم يومياً بالاغتيالات والقتل في مصر، خصوصاً في شبه جزيرة سيناء، فيما لا تبعد فلسطين المحتلة سوى أمتار من حقل عملياته.

وكما في مصر كذلك في سوريا، حيث يجري قتال سوري - سوري شرس على أرض الجولان، والتي معظمها محتل من قبل «إسرائيل»، التي لا تتابع المجزرة السورية فقط، بل تستقبل جرحى المنظمات الإرهابية والمتطرفة، وقد شهدنا وزير الدفاع الإسرائيلي وهو يتفقد الجرحى، بحضور أهاليهم المحجبات، ويا للعجب.

وفيما نتابع فصول القتل العربي العربي، تعرض القنوات الفضائية مشاهد للجنود الإسرائيليين وهم ينهالون بالركل والضرب على حرائر فلسطين، وفي المسجد الأقصى بالذات. أما وقد دمرت «داعش» شواخص الحضارات العريقة لما بين النهرين ومنها مدينة النمرود، وتستعد لتدمير حاضرة الصحراء «تدمر»، والذي يمكن أن يكون حدث عند قراءة القارئ لمقالي هذا، فهل يمكننا الحديث عن حفريات «إسرائيل» لتدمير أساسات المسجد الأقصى والمسجد العمري؟

ما يجري من المحيط إلى الخليج يبعث على الأسى والحزن. ألا يكفي مقتل أكثر من ثلاثمائة ألف سوري وتشرّد نصف الشعب السوري، وسبقه في ذلك أكثر من مليون ضحية عراقي وتشرد الشعب العراقي من نيوزيلندا حتى كندا. ألا يكفي عشرات الآلاف من شباب العرب وهم يهربون عبر البحر الأبيض المتوسط هرباً من جحيم الأرض العربية إلى جنة أوروبا المنشودة، حيث «تأكلهم حيتان البحر هروباً من حيتان البر»، بحسب قول الصديق رضى الموسوي.

ألا تكفى سرعة تبخر فوائض النفط التي عوّلنا عليها في التنمية، على صفقات سلاح غير مجدية، لا تنجد صديقاً ولا ترد عدواً. ألا يكفى هبوط سعر برميل النفط، وهو عماد الثروة العربية، إلى أقل من النصف؟

ألا يكفى أن أمةً عريقةً بحضارتها ومهد الديانات... تحوّلت إلى متسوّلٍ على قارعة طريق الحضارة؟

كثيرة هي الأسئلة المحيّرة دون جواب، وأتذكر صرخة ضمير العرب مظفر النواب هل عربٌ أنتم؟.

تعليق عبر الفيس بوك