ردود وتعقيبات على مقال (ألغامٌ تهددُ مستقبل طلابِنا)

عيسى بن علي الرواحي
في مقالنا السابق بعنوان (ألغامٌ تهددُ مستقبلَ طلابِنا) الذي تطرقت فيه إلى خطورة الهاتف النقال على مستقبل الطلاب من مختلف النواحي السلوكية والدراسية والصحية وردتني عدة ردود وتعقيبات حول المقال من القراء الكرام.
ورغم أنّي كنت متوجسًا بعض الشيء أن يظن القارئ الكريم أنّ الشواهد والتحذيرات التي سقتها في المقال قد يكون مبالغًا فيها خاصة من غير العاملين في الحقل التربوي؛ فإنّ الأمر كان خلاف ذلك تمامًا، بل إنّ الردود والتعقيبات كانت تثبت وتسوق شواهد وقصصًا وتحذيرات أكثر خطرًا وأشد وقعًا مما ذكرته في المقال وصفها بعضهم بأننا في انتظار نتائج كارثية ستظهر دمارًا وتخلفًا عندما تحل الأجيال القادمة المبتلاة بهذه التقنية محل الأجيال الحالية، وأوضح بعضهم أنّ الهواتف بمثابة الوسيلة الناجعة لجر الأبناء إلى مستنقعات الفساد والرذيلة.
ولعلنا لاحظنا تلك الصورة التي تمّ تداولها الأسبوع المنصرم وهي تحتوي مجموعة من الهواتف النقالة بأحدث مواصفاتها تمت مصادرتها أو استلامها من طلاب الصف السادس في إحدى المدارس قبيل تأديتهم الاختبار النهائي.
أوضح لي أحد القراء الكرام من خلال تعقيبه أنّ الهواتف ليست ألغاماً تُهدد مستقبل طلابنا، وإنما هي ألغام تفجرت فحطمت كثيرًا من الجوانب التي يبني عليها الطالب حياته ومستقبله، وهذا التعقيب هو الأقرب إلى التحذيرات التي يطلقها علماء التربية والطب بشأن اقتناء الأطفال للهواتف النقالة والإلكترونيات بشكل عام، فالدكتور مصطفى أبو السعد أوضح في أحد برامجه المتلفزة أنّ استخدام الطفل للإلكترونيات مدة 20 إلى 30 دقيقة يوميًا سيضعف من قدراته الذهنية المتعلقة بالتذكر والتركيز والانتباه بعد ثلاثة أشهر، وهذا الرأي يتفق مع دراسة قامت بها جامعة واشنطن الأمريكية بينت خطورة الهاتف النقال على صحة وسلامة الدماغ وتأثيراته السلبية على الذاكرة والقدرات العقلية، ومع تحذيرات عشرين عالمًا بينوا فيه وجود مخاطر كبيرة على الصحة العامة للنّاس وخاصة الأطفال والمراهقين من جراء استخدام الهاتف النقال.
ويرى الدكتور محمد خليفة إسماعيل في كتابه (كيف تربي طفلا عبقرياً) ص 39 (أن مخ الطفل لا يتأثر بالجينات الوراثية فحسب، وإنما بالخبرات التي يكتسبها من محيطه الخارجي، وحيث إنّ الجينات تحدد نوعية الروابط العصبية للخلايا، فإنّ الخبرات المكتسبة تعمل على تخطيط وإعادة تلك الروابط، فكل منها له تأثير مختلف على الروابط العصبية ونموها يعتمد أساساً على الخبرات التي يكتسبها الفرد) ولا ريب أنّ الطفل قبل مرحلة البلوغ يعيش مرحلة أو عملية انتقاء وتخطيط تلك الروابط العصبية المتعلقة بالمخ، وسيقوم الهاتف النقال الذي هو أبرز المؤثرات الخارجية والخبرات المكتسبة بدور كبير في تحديد هذه العملية المعقدة بالمخ.
لقد اتفقت جميع الردود والتعقيبات على أنّ الهاتف أكبر الأخطار التي تهدد الطلاب، وأنه بمثابة معول الهدم الذي يهدم سلوك الطالب وتحصيله الدراسي ويهدد صحته، واتفقت جميعها كذلك على أن الأسرة تتحمل المسؤولية كاملة في تمليك الابن للهاتف النقال، وأن أهم أسباب تمليك الابن للهاتف من قبل الأسرة هو حب المظاهر والمفاخرة وتدليل الأبناء وإعطائهم الحرية فيما يرغبون، وطالبت الردود أن يكون للمسجد والمدرسة ووسائل الإعلام أدوار واضحة في الحد من هذه الظاهرة الخطيرة مع ضرورة أن تطبق المدارس قوانين لائحة شؤون الطلبة فيما يتعلق باصطحاب الهاتف النقال داخل المدرسة.
ليس لدي ما أضيف أكثر مما ذكرته في المقال السابق، وقد أوردت هذا الموجز لردود وتعقيبات القراء الكرام؛ تأكيدًا على أهمية الموضوع وحساسيته البالغة، وأن ما يمكن تلافيه اليوم، قد يصعب تداركه غداً، وما كان اليوم جرس إنذار وصيحة خطر قد يصبح غدًا قضية أزمة وحلول نقمة، والوقاية دائمًا وأبدًا خير من العلاج، ودرهم وقاية خير من قنطار علاج، مذكرا نفسي والقراء الكرام بقول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [سورة التحريم : 6] وقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالأمير الذي على النّاس راع وهو مسؤول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) وقوله عليه الصلاة والسلام : (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول) سائلاً الله تعالى أن يحفظ أبناءنا وبناتنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يصلح أحوالهم، وأن يوقفنا إلى تربيتهم التربية الصالحة إنّه سميع مجيب.

issa808@moe.om

تعليق عبر الفيس بوك