الثاني من أغسطس 1990

جمال القيسي

قل لي ماذا يعني لك على وجه التحديد، وبعيداً عن العاطفة العربية المشبوبة، يوم 2 أغسطس 1990؟ كي أقول لك من أنا!.. لربما حينها نعرف من نحن!

أتذكر ما كان يردده إخواننا العراقيون:
"بوش ال ما يتبوش.. دسنا كلاش وبوشناه اسمع يا الريس
والبحر ال ما يتقيش. قيش بيه صدام حسين اسمع يا الريس...ها اخوتي ها!!"
هكذا غنى غالبية العرب، من الماء إلى الماء، مع العراقيين الطيبين ذات شتاء قارس من العام 1991 بعد شهور على اجتياح الكويت. فجر خميس مرعب مداهم سيظل يحفر طويلاً في ذاكرتنا وما يزال يتربص بحاضرنا، بعد أن رسم لمدة ربع قرن مضى خريطة التشتت وضياع فوق الضياع، وبعد أن أورثنا ذاك "الخميس" ما لم يورثنا إياه سوى العام 1948 والعام 1967 وبدا، اليوم، أن كل السنوات التي بعد نكسة حزيران ما كانت إلا دوامة تسير بلا رأفة نحو 1990 وما سيجر من بعده.
كان العرب من غير الكويتيين خصوصًا والخليجيين عمومًا أيام الاجتياح مُتعطشين لـ لا واحدة في وجه العالم، ولو من أنقاض الخراب والفوضى! حتى أودى بغالبيتهم ذلك العطش إلى حالة عشق من اليسار واليمن للقائد المخلص/ القائد الضرورة/ القائد الأسطورة صدام حسين! حتى بلغت تسمية النّاس لأبنائها باسم القائد الهمام ذروتها، لا سيما في فلسطين وبعدما قصف الكيان المحتل بالصواريخ، وقصفنا نحن بالأحلام والأوهام والأماني أكثر.
أيام عصيبة لم نكن معه. لكننا لسنا أبدًا مع جورج بوش!

لم نكن معه، لكننا كنّا مع العراق.

باختصار وقفز زمني عن الصورة في شهور الاحتلال. طُرد من الكويت فأشعل آبار النفط من ورائه وفي طريقه، وأحرقنا لفح النيران وووصل تلوث الغازات من آبار النفط المحترقة حتى الصين، ونفقت أحياء بحرية في الخليج العربي وتشكلت بقع تلوث نفسية أكثر، وانتهى صفو حياة مديدة بين الأشقاء العرب على صورة جديدة، حيث ولدت قطيعة حادة بعد أن وصل الأمر حد الاحتراب والقصف والاحتلال. وما هي إلا شهور معدودة حتى وصل الأمر بنا إلى الحقيقة. يدعونا للاستيقاظ، ووضع نقاط القوة على حروف الهوان. استيقظ الليل على (اتفاق خيمة صفوان) ..هل تذكرون؟!
ثم، ليس سواه، فجر 2 أغسطس؛ فجر اجتياح الكويت؛ هو الذي شطرنا أكثر من انشطاراتنا، فانقسمنا؛ ولم نعد نعرف هل نحن مع الاجتياح رغم قصف إسرائيل، أم نحن مع الوحدة رغم أنّ صدام حسين لم يكن وحدويًا وطبقها بلغة الدبابات ودبرها بليل.
كثيرون كثيرون عشقوا القائد الملهم حتى رأوا وجهه في صفحة القمر. وقليلون كانوا على يقين بأنّ الأمر يهوي نحو الهاوية.
وماذا كان من فضائل أغسطس ذاك. ضاع العراق أولاً. ثم، وعلى نحو آخر من تعداد الخسارات، أضعف اجتياح الكويت الموقف الفلسطيني لأنّ منظمة التحرير الفلسطينية كانت في صف صدام فقطعت دول الخليج عنها الدعم المادي والسياسي، ولم يكن العراق تحت الحصار بقادر على سد هذا الإفلاس. وضعف الموقف الأردني للسبب نفسه، وتلقت عمان العقوبة نفسها التي ضربت قلب منظمة التحرير، إضافة إلى أنّ الأردن ناله من الاجتياح هجرة مداهمة تدفقت من الكويت بغزارة لم تكن متوقعة وخلال ثلاثة أشهر فقط.
وبسبب ذلك الثاني من أغسطس، أيضاً؛ وصل الأردنيون والفلسطينيون إلى درك مؤتمرات واتفاقيات مدريد وأوسلو ووادي عربة.
غيّر اجتياح الكويت الكثير.. غيّرنا وغيّر وجه المنطقة. مات عرفات مسمومًا وصدام مشنوقًا واغتيل العالم العربي فتناثر شظايا بسبب فجر 2 أغسطس.
وباختصار وقفز زمني وتكثيف، أيضا، ولدت الأحداث كذب توني بلير وبوش الابن احتلالا أنجب من بعد، وخلال الاحتلال، عراقا إيرانيا طائفيا.

والاجتياح هو السبب ذاته، باختصار، من خلق الاختلال في التركيبة العراقية وظل حتى تبلورت خلايا الإرهاب المختلفة حتى تشكل داعش الذي اجتاح، ويحتل اليوم نصف مساحة العراق وسوريا! وما كان صدام حسين سوى طاغية شمولي ولكنه حمل مشروعا وحدويا على طريقته الـ أقل دموية بكثير مما يجري الآن.

بلغ بنا الدمار حد السؤال.. ترى هل كان العالم أجمل قبل إعدام صدام حسين؟! وأي "سائق سيارة قومي" هو الذي داس دواسة الكلاتش فجعل بوش مثل سيارة يمشي بقوة الدفع الذاتي!

هل بعد 2/8/1990 ما نزال نحن؟!

تعليق عبر الفيس بوك