قراءة في كتاب "أهل الطريق"

حليمة الزرعي

يحتوي كتاب أهل الطريق لمؤلفة أوشو، وترجمة د. محمد ياسر حسكي، على ستة عشر فصلا، يبدأ بفصل "نوع من السحر" وينتهى بفصل "زهرة اللوتس في بحيرة الفراغ" إنه يد المتصوف ترشدك إلى الطريق، إنه عالم التصوف، عالم أهل الطريق. شخصيا لم أتخيل قط أني سأقرأ كتابا كهذا، لطالما كان الحديث عن التصوّف ضربا من السحر في مخيلتي ولربما الآن أصبح منفذ عبور لعالم مختلف. يقول أوشو " التصوف هو جوهرة جميع الأديان الأساسي، يمكن أن يوجد التصوف دون علاقة بدين، ولكن لا يمكن أن يوجد الدين دون التصوف، فلا يقوم الشيء دون جوهره، بينما يزداد الدين حيوية مع الوصول إلى جوهره". ويؤكد كذلك على أنّه لا توجد علاقة بين التصوّف والدين أو عقيدة أو مذهب أو قانون أو كنيسة معينة، فماذا عساه أن يكون؟

يحدثنا الكاتب أنّ التصوّف ظاهرة غير قابلة للتعريف وأنّ "الصوفي هو الصوفي ". ويردف قائلا إنّه تمّ ذكر كلمة "الصوفي في القاموس الفارسي القديم" الصوفي" بهذا الاسلوب: "SUFI CHIST" و"SUFI" و"SUFIST ". إذ أنّه لا يمكن ترجمتها لغويًا ولا توجد كلمة مرادفة لها. أمّا في العربية فهي التصوِّف والتي جاءت من الجذر"SUF " ومعناه الصوف، وأردف قائلا إنّ الصوف هو رمز التصوف حيث إنّ علماء الصوفيّة كانوا يرتدون أثواباً من الصوف.

ومن أجمل ما تحدث عنه المؤلف في هذا الفصل (العلاقة مع الإله في الصوفية) بكلمات العاشق، وهو يصف حال المتصوف وكيف أنه لم يعد يشعر أنه موجودًا كلما اقترب من الإله، إنهّا حالة انتحارية جميلة كما سماها أوشو. إنها السبيل من أجل الحياة، وكيف يشعر قلب المتصوف بالنشوة ولمن يسير في بداية الطريق وهو يزداد عطشًا في كل خطوة توقا للإله.

فيا ترى كيف يكون القرب إلى هذا الحد بالنسبة لشخص بسيط من أمثالي؟ أي قرب عجيب يتحدثون عنه؟ وأي شعور هذا؟ أدركت حينها حجم التساؤلات التي انبعثت من أعماقي. حينها تركت كل شيء مسرعة نحو البحر كالعادة وانا أحتضن الموجة تلو الأخرى بدفء لعلها تعيد الهدوء بداخلي.

فلم أجد نفسي إلا أنها تردد أتسمعني يا إلهي؟ أتسمعني .. أتسمعني .....؟

إنه السحر، نوع نادر الوجود لا تجده بالكتب، وعند الصوفية يطلق عليه مصطلح "السلسلة" وهي الانتقال من قلب إلى آخر ومن شخص إلى آخر. بحيث لا يمكنك الوصول دون (معلم متنور) مهما قرأت جميع الأدبيات لأنك ستضيع في غابة الكلمات. ويذكر دائمًا أن تكون شجاعا لأنه ليس الطريق للذين يخافون من الإله، إنّه عالم محبي الإله، فإن كنت خائفًا منه فكيف ستصل إليه؟ وكيف ستسير في الطريق إليه؟

ما أعمق هذه القاعدة، التي أعادت عليّ شريط أحاديث علماء الدين الذين يرغبون ويرعبون. إنّه الحب، وما يأتي من خوف لا يجني سوى الخوف، فقط الحب يأتي بكل شيء. تساءلت حينها: هل يأتي الحب بالإله أم الحب يأخذك إليه؟

فما الذي يوجد في قلب الباحث دون سواه؟ يقول أوشو إنّه يوجد ثلاث سمات أساسية ذكرت بالقرآن لابد من توفرها في قلب الباحث عن الإله وهي (الخشوع والكرم والصدق). أمّا الخشوع فهو إدراك الأنا المزيفة للإنسان وأنه لا أحد متواضع مثله وهو لا يزال يقع تحت وطأة التبجح والتفاخر، وفي اللحظة التي يدرك الإنسان حقيقة جميع طرق الأنا المزيفة فإنّ هذا الإدراك سيجعلها تختفي، وهذه أهم صفة للحراك نحو الإله. إنّه يخلصك من الجمود داخل تلك الأنا ويعلمك كيف تنصهر لأنّ المتحجرون لا يصلون للإله.

والسمة الثانية هي الكرم ومتعة العطاء والتي لا تعنى أن تُعطي الآخر لأنّه محتاج، بل إنّ المتوجه إلى الإله يعطي الآخرين عن وفرة وغنى، فهذه هي الصدقة الحقيقية وهذا هو العطاء الأسمى.

أمّا السمة الثالثة فهي الصدق: "وليس الصدق أن تقول الحقيقة ولكن معناه أن تكون أنت الحقيقة "ولكن ماذا تفعل عندما لا ينفعك الصدق، هل ستتخلى عنه؟ وهنا يذكرك أوشو أنّه طريق الشجعان.

وأنقل لكم هذه القصة القصيرة.

سئل"أويس": " كيف تجدك؟" وكان " أويس" معلمًا صوفيا. فأجاب "كمن أصبح ولا ينتظر المساء" قال السائل " ولكن هذا حال الناس جميعهم" قال" أويس: " أجل، ولكن كم عدد الذين يشعرون بذلك؟"

إنّه رجل يعيش اللحظة، إنه هنا والان، فهكذا يعيش الصوفي، يسحب نفسه من الماضي والحاضر، إنه الإنسان المبارك، كما يقول المؤلف. فللمرة الأولى بدت لي هذه العبارة باهتة، فكيف حال من استطاع الوصول لها؟

في حقيقة الأمر لم استطع مقاومة هذه الفكرة، تسمّرت مكاني وظننت أنّ الأمر ممكن وجدير بالتجربة، ولكن لم تمر عليّ لحظة دون فكرة، بدت أفواجاً من الأفكار تهاجمني كي لا أصمت. هكذا الكثيرون منّا جبلنا على التفكير بكل شيء حتى لو لم ندرك ذلك، فكيف الوجود "هنا والآن".

لم اتوقف لهذا الحد، بحثت كثيرًا ولم أدع كتابا أو مغرداً في مواقع التواصل الاجتماعي لم أتابعه عن الطرق ووسائل التأمل وغيرها لعلى أجد نفسي (هنا والان). لم يكن عبثا ولكنّه شعور مختلف نادر الحدوث. أستطيع القول إنّها لحظات من التجدد.

يقول المؤلف "إنّ الفن هو عيش اللحظة، ومن يعش اللحظة لا يشيخ أبدًا. إنّه ينضج ولكنّه لا يهرم" لابد أن تعيشوا هذه التجربة كونوا مستعدين للتجدد للمغامرة للدهشة. فالتصوف يقول "لا تدع الماضي يثقل كاهلك، ولا المستقبل كذلك" عش اللحظة ودعها تتحول إلى صلاة وذكر للإله، لا تدع الماضي أو الحاضر يسرقك منك. توقف أيّها القارئ للحظة.. توقف .. اصمت ذاتك قليلا، جرب هذه المتعة، إنّها الحياة.

وأريد منك أن تتذكر دائمًا أنّ التصوف هو يقظة القلب وانبثاق الشعور، يقول الله تعالى:

"إنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور". فالصوفية تعرف بأصحاب القلوب، ذلك الجزء الذي يعرف المحبوب المعشوق المتعالي. إنّها القلب الذي يدرك ما يجب إدراكه فقط عليك أن تتذكر ذلك.

وقد أنهى الكاتب الفصل الأول: بقصة سيدنا "محمد صلى الله عليه وسلم، وتجربته الأولى في غار حراء، عائدا يرتعد خوفا إلى زوجته إنها بداية تدفق نهر التصوّف ومنبع كل صوفي حكيم، لذا تذكر أنّ التصوّف هو طريق الحب وأنت تسير بالطريق وأن تفتح "عين القلب" وأن تشعر وأنت تمر خلاله لكل شيء حولك.

تعليق عبر الفيس بوك