التعليم والتنمية الاقتصادية والاجتماعية

د. سليمان بن عمير المحذوري

نظّم النادي الثقافي بالتعاون مع الجمعية الاقتصادية العُمانية لقاءً حوارياً عن التعليم والتنمية الاقتصادية والاجتماعية يوم الثلاثاء 26 مايو 2015م. وقد حضر اللقاء ثلة من الأكاديميين والمهتمين بقطاعي الاقتصاد والتعليم في السلطنة. تطرق الحوار إلى جملة من النقاط والمحاور المتصلة بدور التعليم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما تمّ توضيح أهمّ النظريات لاسيما في مجال اقتصاديات التعليم والتي تدعو إلى استثمار الثروة البشرية، إلى جانب الوقوف على أهم ملامح تطور التعليم في السلطنة خلال العقود الأربعة الماضية وانعكاساتها على التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وما من شك أنّ العنصر البشري يُعتبر ثروة وطنية ينبغي استثمارها، والتعليم الجيد هو الركيزة التي يقوم عليها هذا الاستثمار. فمتى ما توفر التعليم العادل لجميع مكونات المجتمع وأطيافه، وفي ذات الوقت الحرص على تجويد التعليم من شأنه أن يوفر طاقات بشريّة مُبدعة خلاّقة تدفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في أيّ مجتمع. وهناك أمثلة لدول استثمرت في مجال التعليم حققت من خلاله طفرة اقتصادية وتكنولوجية كاليابان وكوريا وسنغافورة وفي المقابل هناك أمثلة أخرى لدول بدأت في وقت متزامن إلا أنّها ما زالت تعاني من ضعف مخرجاتها التعليميّة. كما أثبتت الدراسات أنّ ضخّ الأموال، ورصد الميزانيات الضخمة للتعليم لا يكفل بالضرورة جودة التعليم ما لم يُحسن إدارة هذه الأموال وصرفها بطريقة تضمن تحقيق الخطط الموضوعة؛ بحيث يكون هناك مردود محسوس وملموس لما تمّ صرفه. وبالنسبة للسلطنة وبناءً على التقارير المالية التي تصدرها وزارة المالية بشأن الموازنة العامة للدولة كما هو مبين بالجدول أدناه يتضح بجلاء أنّ الموازنة المُخصّصة لقطاع التعليم في ازدياد مضطرد .

السنة المالية

جملة المصروفات (ألف ريال عُماني)

2011م

926461

2012م

1153802

2013م

1340328

2015م

1806288

فالأرقام أعلاه تُعطي مُؤشرات بأنّ قطاع التعليم يحظى بنصيب متزايد من الموازنة العامّة للدولة، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هل هناك تكافؤ بين هذه المصروفات ومستوى التعليم بشقيه العام والعالي في السلطنة؟ وبمعنى آخر هل نحن راضون عن مستوى مُخرجات التعليم ؟ فمن خلال اللقاء المُشار إليه وطرح الأسئلة والمداخلات برزت مجموعة من الآراء التي أتّفقت على أنّ هناك ضعفا في مُخرجات التعليم سواء كان على مستوى التعليم العامّ أو التعليم العالي. على سبيل المثال على الرغم من أنّ الطالب في مدارس السلطنة يدرس مادة اللغة الإنجليزية منذ الصف الأول الأساسي إلا أنّ أغلبهم لا يستطيعون اجتياز اختبار اللغة الإنجليزية عند التحاقهم بمؤسسات التعليم العالي، وبالتالي يخضعون لبرنامج تأسيسي لمدة عام دراسي كامل وهذا في حد ذاته يُعتبر هدراً للوقت والمال، وفي المُقابل هناك مجموعة من مُخرجات مُؤسسات التعليم العالي لا يستطيعون اجتياز الاختبارات المُؤهلة للتوظيف كمعلمين بوزارة التربية والتعليم فمثلاً هناك نسبة من مُخرجات تخصص اللغة الإنجليزية لا يحصلون على معدل 6 في امتحان الآيلتس رغم أنّهم أمضوا خمس سنوات في الكليات أو الجامعات!!. فعلى هذا النحو نجد أنفسنا ندور في حلقة مفرغة وكل جهة تركل الكرة في ملعب الآخر؛ إلا أنّه من المُبشر أننُا أقررنا بالخطأ وأدركنا مكمن الخلل وهذه بداية تصحيح المسار إذ أصبحت التقارير والمُؤشرات المُتعلقة بالتعليم مُتاحة ومُشاعة بكل شفافية ووضوح، وبالتالي من خلالها يُمكننا العمل على مراجعة السياسات التعليمية الحالية.

كما أنّه من المُلاحظ منذ عام 2011م تحديداً بدأ التوسع في مجال التعليم العالي وقبول أعداد كبيرة من الطلاب وهذا في حد ذاته مُؤشر إيجابي للتعليم العالي في السلطنة؛ إلا أنّه من الملفت كذلك أن صاحب ذلك توسع في مجال التعليم العالي الخاص، وبمعنى آخر زيادة أعداد مؤسسات التعليم العالي الخاصة حيث وصل العدد إلى 27 مؤسسة فهل نحن بحاجة إلى هذا العدد فعلياً؟ مع ملاحظة أنّ أغلب هذه المؤسسات تُقدم تخصصات متشابهة كإدارة الأعمال والحاسب الآلي وبالتالي إغراق السوق بهذه التخصصات في ظل ندرة تخصصات فنية أخرى يحتاجها سوق العمل العُماني. ومن جهة أخرى هناك 7 جامعات خاصة في مقابل جامعة حكومية واحدة فمن وجهة نظري أنّ الهرم مقلوب ومن المفروض أن يكون العكس، إذ ينبغي على السلطنة كدولة نامية أن تستثمر في قطاع التعليم العالي بفتح جامعات حكومية بإشرافها المُباشر حفاظاً على التعليم النوعي ليسير بموازاة التعليم الكمي لا أن يُوكل الأمر للمؤسسات التعليمية الخاصة وهي مؤسسات ربحية في المقام الأول ومن ثم نشتكي من ضعف المُخرجات وعدم إسهامها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية المرجوة.

وحسناً فعل مجلس التعليم عندما أقرّ مُؤخراً تحويل كلية العلوم التطبيقية بالرستاق إلى كلية للتربية تُعنى بإعداد المعلمين العُمانيين وتأهيلهم، وزيادة أعداد الطلاب الملتحقين بكلية التربية بجامعة السلطان قابوس، وكما هو معلوم أنّه في عام 2007م تم اعتماد تحويل كليات التربية إلى كليات علوم تطبيقية نتيجة لتكدس أعداد مخرجات التخصصات التربوية آنذاك من داخل السلطنة وخارجها، وقد أدى قرار التحويل هذا إلى قلة أعداد المعلمين العُمانيين في المدارس، وبالتالي الاعتماد على المعلم غير العُماني مُجدداً. وهذا يُعزى إلى غياب الرؤية الواضحة البعيدة المدى فضلاً عن عدم التنسيق بين الجهات ذات العلاقة وكأن كل جهة تعمل بمفردها وبمعزل عن الآخرين. على أية حال الاعتراف بالخطأ فضيلة، والعدول عنه خير من المكابرة والاستمرار فيه، ومن المؤمل أن تكون هناك إستراتيجية واضحة لاختيار وإعداد معلمين ذوي كفاءات عالية لأنهم هم الركيزة التي يُعول عليها في صناعة موارد بشرية ذات قدرات عالية.

في المُجمل لا شكّ أن هكذا حوارات وما يصاحبها من طرح شفاف، وما يتمخض عنها من رؤى من شأنها أن تضع النقاط على الحروف في جو أخوي حواري بعيداً عن الرسميات، كما تمنح متخذي القرار فرصة الإطلاع على ما يدور في المجتمع من تطلعات وآمال.

وختاماً يُمكننا القول بأنّ جودة التعليم والتنمية الاقتصادية هما وجهان لعملة واحدة، وإذا وجد التعليم الجيّد المتطور في أي بلد، فإن التنمية الاقتصادية والاجتماعية ستكون حاضرة وفاعلة، ومن أراد أن يكون في القمّة وفي مصاف الدول المُتقدمة فعليه بالتعليم فالتعليم ثم التعليم.

تعليق عبر الفيس بوك