الشورى والمرأة: تحديات وضمانات

زينب الغريبيَّة

تأتي انتخابات مجلس الشورى للدورة الثامنة في مرحلة مفصليَّة من تاريخ النهضة العمانية بصفة عامة، ومن تاريخ المشاركة الديمقراطية البرلمانية بصفة خاصة، تأتي هذه الانتخابات بعد الدورة السابقة التي كان لها وضعيتها الخاصة، والتي تتمثل في ثلاثة عوامل من وجهة نظري؛ ارتبط أولاهما بتعزيز صلاحيات مجلس الشورى التشريعية والرقابية، في حين ارتبط الثاني بتضمين الحكومة أعضاء من المجلس، وثالثهما ارتفاع سقف التوقعات السياسية والاجتماعية للإصلاح خلال تلك الفترة، مما أدى لزيادة عدد المرشحين للمجلس وأيضا زيادة اهتمام الناخبين بما يطرحه هؤلاء المرشحون من برامج انتخابية خلال تلك الفترة، وفي الواقع كانت انتخابات الفترة السابعة هي الأكثر تميزا ومنافسة في تاريخ المجلس؛ حيث ولدت دافعية كبيرة لدى جميع أطراف العملية الانتخابية، وشهدت تنافسا كبيرا جدا، وأدت لوصول مجموعة متنوعة في خلفياتها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية إلى المجلس؛ مما انعكس على نقاشات المجلس، سيما في العام الأول من الدورة الحالية، قبل أن يكون هناك رد فعل من السلطة التنفيذية دفع بعض أعضاء المجلس إلى جعل خطابه أكثر براجماتية في التعاطي مع الملفات المطروحة، وزادت هذه البراجماتية عقب سحب العضوية من أحد أعضاء المجلس؛ وبالتالي فإن الدورة الثامنة سوف تولد من رحم الدورة السابعة؛ حيث خرج البعض بدروس محددة منها يستخدمونها في التعامل مع الدورة الثانية، كما خرج البعض بقناعات ومواقف من المجلس بصفة عامة، ومدى قدرته في ممارسة دوره في الرقابة والتشريع، كما خرج البعض بإحباطات قد تؤثر في إقبالهم على الدورة الحالية من المجلس وفي مقدمة المحبطين المرأة التي لم تنجح في الفوز إلا بمقعد واحد، بشكل جعل المرأة تطرح سؤال محوري على نفسها: هل بالفعل تستطيع المرأة العمانية المنافسة في انتخابات سياسية تحكمها عوامل أخرى غير الثقافة والجدارة؟

... إنَّ أي عملية ديمقراطية لا يمكن أن تتطوَّر دون تحديات؛ ودون إحباطات؛ فالتاريخ يقول إنَّ الانتخابات من أعقد العمليات السياسية؛ حيث تتأثر بقدرات المترشحين الاقتصادية، وبدافعية الناخبين وثقتهم؛ وبالتالي لابد أن نفهم انتخابات الدورة الثامنة في إطار هذا السياق؛ حيث سيؤثر هذان العاملان بصورة كبيرة في نجاح المرشحين، وهناك عامل ثالث يمكن أن يحدث فرقا لو تم تدعيمه وهو "الوعي" لدى الناخبين، فلا يمكن أن تتم اختيارات صائبة تنهض بأدوار المجلس بدون العمل على بناء الوعي بأهمية ممارسة الحق الانتخابي، والوعي بدور العضو لمهاراته وإمكاناته دون النظر إلى جنسه رجلا كان أم امرأة، ينتمي لقبيلته أم لا؟

فتاريخيا، لم تنل المرأة في الفترة الأولى للشورى (1991-1994) عندما كان من يصل إلى المجلس بإحدى الطريقتين -إما الانتخاب أو التعيين- ولا حتى حق التصويت أو الترشح في تلك الفترة، وربما كان غياب المرأة عن المجلس ليس بسبب الكفاءة والمؤهلات والخبرة العملية، إنما كان للأسباب ثقافية تتطلب بعض التدرج والمرونة حتى يتقبل المجتمع وجود المرأة من ضمن أعضاء المجلس، وإذا كانت حظوظ المرأة معدومة في البدايات، إلا أنها ربما تغيرت النزر القليل إيجابيا من حيث مشاركتها في الانتخاب وفي الترشح، وإن كان نصيبها من الفوز لم يزل محدودا بشكل كبير، هذا ما يتطلب فتح ملف مشاركة المرأة السياسية ومناقشته وتوضيح التحديات والفرصة وكيف يمكن أن يكون للمرأة تمثيل يتناسب ليس من ناحية عدد الناخبات والمترشحات فحسب، وإنما مع مؤهلاتها ودورها الحالي في المجتمع أيضا.

ولكن يبدو أنَّه حتى الآن لا يوجد فعل مؤسساتي -من الجهات الذات الصلة بالموضوع- يشير لحراك في هذا الصدد، وبالذات من الإعلام ووزارة الداخلية ووزارة التنمية الاجتماعية والمؤسسات التربوية على مستوى التعليم العالي؛ مما يضع تحديات كبيرة أمام بناء هذا الوعي في ظل الوقت المحدود الذي سيُتاح للدعاية الانتخابية مع اقتراب شهر رمضان وإجازات الصيف، كما أنَّ هناك كثيرًا من الشباب بدأ يعلن عن عزوفه عن الانتخابات بشكل عام لأي جنس كان، ليس فقط عن متابعة تطورات انتخابات هذه الدورة، ولكن أيضا عن التصويت لأسباب تستحق عقد حلقات نقاشية ومناظرات بين عدة أطراف معنية ببناء الوعي الوطني واستنهاضه لترسيخ ممارسة ديمقراطية سليمة، بدلاً من الانكفاء الذي يؤدي إلى ترسيخ ممارسات سلبية.

فالمشاركة في الانتخابات والإقبال على الترشح لابد أن بكون نتيجة استشعار للمسؤولية الوطنية؛ وتعزيزا لأهمية ممارسة الحق الانتخابي بوعي ومسؤولية؛ لنجعل انتخابات الدورة الثامنة حلقة من حلقات التطور في الممارسة الديمقراطية التي تعود بالخير على الوطن والمواطن، وعلى الجميع على الصعيدين الرسمي والشعبي مساعدة المرشحين والناخبين من الجنسين، ودعم الكفاءة لتصل رجل كان أم امرأة في الوقت الراهن للتعبير عن أنفسهم ومواقفهم وقناعاتهم حول الانتخابات المقبلة، علاوة على التوعية ببعض الجوانب القانونية والتاريخية المرتبطة بالانتخابات، وتعرف التحديات وسبل التغلب عليها، وكلنا أمل أن نرى المرأة قد تولت -بوعي من المجتمع والحكومة- وعن جدارة تتحلى بها مقاعد عدة تليق بعدد النساء في المجتمع لتكون ممثلة للقضايا المختصة بالمرأة والطفولة والمجتمع، وكذلك الأمور الأخرى تلك المتعلقة باختصاصات وصلاحيات أعضاء المجلس.

zainabalgharibi@yahoo.com

تعليق عبر الفيس بوك