مختصون: الدروس الخصوصية.. سوق سوداء للتعليم تقتل الإبداع وتكرس الاتكالية

 

◄ د. مروة حمدي: الإيجابية الوحيدة استخدامها لعلاج "الضعف التحصيلي"

◄ المعمرية: حُمى "الثراء السريع" للمعلمين الوافدين سبب استفحال الظاهرة

◄ البلوشية: مسببات كثيرة وراء انتشار "الخصوصية" أبرزها البيئة المدرسية "الطاردة"

◄ البداعي: مطلوب تكاتف حكومي-مجتمعي للقضاء عليها

 

اتَّفق عددٌ من الخبراء التربويين والإخصائيين التعليميين، على أنَّ الدروس الخصوصية ظاهرة غير صحيَّة، وسلبياتها أكبر مما قد تنضوي عليه من إيجابيات، إلا أنهم قالوا بأنها ضرورية في حال كانت علاجا يُستطبُّ به لضعف قدرات الطالب التحصيلية.

واختلفوا حول المسبِّبات التي تدفع بالطلاب وأولياء الأمور -بل والمدرسين- إلى اللجوء لمثل هذه الظاهرة؛ لكنهم أجمعوا على أن أبرز سلبيات تلك الظاهرة هو خلق حالة من اللامبالاة لدى الطالب، وإضعاف قدراته في "الاعتماد على الذات"، وقتل بذور الابتكار داخله وغرس ثقافة الاتكالية بديلا عنها، فضلا عن التكاليف الباهظة التي يتحملها ولي الأمر جرَّاء "جشع" (بحسب وصف البعض) المدرسين ممتهني تلك الظاهرة.

وطالبوا وزارة التربية والتعليم بتشديد الرقابة على المدارس والمعلمين، لضمان أن تظل المدرسة هي المحضن التربوي الوحيد والمعين الذي ينهل منه الطلاب، مع ضرورة رفع المستوى الاجتماعي للمعلمين حتى لا يقعوا فريسة لمغريات المادة.

 

مسقط - شمسة الكيوميَّة

 

تقول مسك الفارسية: أخذت درسا خصوصيًّا في الرياضيات مع المعلمة نفسها التي تدرِّسني في المدرسة؛ وذلك لأنَّ وقت الحصة "45 دقيقة" فقط، وهو أقصر من أن يسمح بالتطرق إلى مسائل من اختبارات سابقة على عكس الدرس الخصوصي, وتقول إنها لا تواجه أية إشكالية في الأمر؛ حيث أنها تتلقى الدرس مساء يوم الجمعة، وهو وقت تكون فيه قد انتهت من مذاكرتها وواجباتها.

وتوافق نوف المخينية على أنَّ وقت الحصة هو الذي يجعل المعلم لا يتطرق إلى مسائل إضافية؛ فالمعلم -حسب ما ترى- يود إعطاء الكثير، لكن الزمن محدود والعلم واسع, وتقول إنها لجأت إلى الدرس الخصوصي من أجل مزيد من التمارين التي سيتوجب عليها حلها, وأنها من دون الدرس الخصوصي ستتكاسل عن حل هذه المسائل الإضافية إذ لم يُكلفها أحدٌ بحلها.. وتضيف بأنها بفضل الدرس الخصوصي أصبحت مُتمرسة في حل المسائل فبعد أن كانت تستغرق في حل المسألة الواحدة حوالي (5-6) دقائق, أصبح حل المسألة لا يُكلفها أكثر من 3 دقائق.

وترى المخينية أنَّ سلبيات الدروس الخصوصية تتمثل في استهلاك مزيد من وقت الطالب, كما يحدث أحيانا نوع من التشتت في ذهن الطالب بين ما يشرحه المعلم في المدرسة وبين ما يتلقاه في الدرس الخصوصي؛ لذلك ترى أنه من واجب المدرس الخصوصي ألا يتوسع في المنهج لدرجة التعقيد.

أما آمنة البلوشية فتشعر بنوع من التضارب داخلها حول هذا الأمر؛ حيث تقول إنَّ درجاتها تكون أفضل من دون دروس خصوصية، إلا أنها في الوقت ذاته لا تجرؤ على ترك هذه الدروس؛ إذ تشعر بنوع من القلق والخوف؛ فتقول: "أخاف أن تفوتني مسائل لا تتطرق إليها الأستاذة في المدرسة", وأشارت إلى أن السبب الذي جعلها تلجأ للدروس الخصوصية هو كلام الطالبات في أن الثانوية العامة مرحلة صعبة، ولابد من الدروس الخصوصية في المواد العلمية. وفي إشارة منها إلى إيجابيات وسلبيات الدروس الخصوصية، تذكر البلوشية: أن الإيجابيات تتلخص في "تزويد الطلاب بطرق أسهل لحل المسائل, وتزويدهم بالأفكار الجديدة في المسائل". أما السلبيات فهي التعقيد من قبل بعض المدرسين الخصوصين، وتذكر أنها كانت تتلقى درسا خصوصيا في الكيمياء الفصل الماضي, وكان الأستاذ يشرح مسائل شديدة التعقيد؛ مما جعلها تشعر بالتوتر والقلق، وفي النهاية كان الاختبار أسهل بكثير مما كان يشرحه ذلك المدرس, وتذكر أيضا في السلبيات عندما يأخذ المدرس الخصوصي عددا كبيرا من الطلاب ومن ثم تقل فرصة الطالب الواحد في الاهتمام والمتابعة.

 

خبرة الاختبارات

فيما يشير د. رضا أبو علوان السيد -دكتور في قسم المناهج وطرق تدريس الرياضيات بجامعة السلطان قابوس- إلى أنَّ القضية في الدروس الخصوصية هي خبرة المدرس بالكيفية التي تأتي عليها الاختبارات؛ وذلك لكثرة اطلاعهم على اختبارات سابقة واختبارات من دول أخرى, وهذا ما يسعى له الطالب أن يستوعب الطرق والأساليب والمكونات التي تؤهله للحصول على درجات مرتفعة؛ فهدف الطالب هنا إلمام بهذه الأساليب والمكونات وليس إلماما بالمادة العلمية بحد ذاتها.

وتقول د. مروة حمدي -دكتورة في قسم المناهج والتدريس بجامعة السلطان قابوس- إنَّ ظاهرة الدروس الخصوصية غير مقتصرة على العالم العربي؛ فلقد لاحظت في أثناء إقامتها في بريطانيا وجود الدروس الخصوصية في المواد العلمية رغم مستوى التعليم المتقدم هناك. ومن جانب آخر، تشير حمدي إلى وجود معلمين في المدارس بالعالم العربي من هم غير أكفاء لتدريس المواد العلمية؛ حيث يكون المعلم نفسه غير مستوعب للمادة التي يقوم بتدريسها.. وتضيف بأنها تُشجع الدروس الخصوصية في حالة واحدة فقط وهي ضعف تحصيل الطالب؛ لأنه هنا سيحتاج إلى اهتمام أكثر.

 

المعلمون الوافدون

وترد زكية المعمرية -معلم أول دراسات اجتماعية- أسبابَ هذه الظاهرة إلى المعلمين الوافدين, وأولياء الأمور الذين يظنون أنَّ الحل السحري يتمثل في الدروس الخصوصية.

مدرس رياضيات عُماني الجنسية (رفض نشر اسمه)، يعطي دروسا خصوصية، يقول: العمالة الوافدة لها دور كبير جدا في انتشار الظاهرة, خصوصا المدرسين المصريين, إذ هم الذين نقلوها إلينا وهي منتشرة بشكل كبير في مصر.

 

أسباب كثيرة

أما أسماء البلوشية -معلمة جغرافيا- فتشير إلى أنَّه يُمكن تصنيف الأسباب التي تؤدي ببعض الطلاب لتلقي دروس خصوصية إلى 3 أنواع: أسباب متعلقة بالبيئة التدريسية, وأسباب متعلقة بالأسرة, وأسباب متعلقة بالطالب نفسه؛ فبالنسبة للأسباب المتعلقة بالمدرسة, فإنها تتمثل في عدم كفاءة المعلم في استيفاء أهداف المادة الدراسية؛ حيث تقول إنَّ هذا أمر وارد لدينا في السلطنة؛ إذ توجد فئة من المعلمين الذين لا يمتلكون المهارة والخبرة والدافعية اللازمة لتغطية أهداف المادة وإشباع الطالب بالمعرفة.. وتضيف أسماء: من ناحية أخرى، فإنَّ المنهج نفسه قد لا يستوعبه الطالب؛ فتصبح لديه مشكلة في امتصاص المعلومات المطروحة في قاعة الصف، وهذه المشكلة في الغالب مشكلة تراكمية رأسية, كذلك فإنه أحيانا الأعداد الكبيرة في الصف تُصعب عملية تركيز المعلم على مثل هذا العدد.

وعن الأسباب المتعلقة بالطالب, تقول البلوشية: إن الدروس الخصوصية لا تقتصر على الطلاب ذوي التحصيل المعرفي المتوسط أو المتدني, بل حتى الطلاب ذوي التحصيل الممتاز, لاسيما في المواد العلمية كالرياضيات والفيزياء والكيمياء, وأيضا اللغة الإنجليزية؛ وبذلك فإنَّ الأسباب هنا قد تكون خارجية, تأتي من اهتمام الأسرة بالطالب؛ فتجبره أن يتلقى دروسا خصوصية حتى تدعم مستواه, وهناك بعض الأسر التي تفعل ذلك بدافع الغيرة من أبناء الأسر الأخرى, فتتنافس معهم كي لا يكون ابنهم أقل مستوى ودراية, كما أن هناك بعض الأسر التي تهتم في أن لا يكون ابنها ممتازا فقط, بل ومتميزا على مستوى المدرسة والمنطقة.

 

وجهة نظر معارضة

أما الدكتورة سميرة الهاشمية -إخصائية إرشاد نفسي وتوجيه بجامعة السلطان قابوس- فترى أنَّ الدروس الخصوصية مضيعة لوقت الطالب وتشتت تركيزه؛ حيث يختلف شرح المعلم في المدرسة عن شرح المدرس الخصوصي, كما يصبح الطالب غير مبالٍ بالحصة في المدرسة, وترى الدكتورة أنه لا داعي بتاتا لهذه الدروس, وأن كل ما على الطالب أن يفعله هو حضور الحصص والانتباه والتركيز وتنظيم الوقت والاجتهاد.

وتقول زكية المعمرية -معلم أول دراسات اجتماعية- لا نلاحظ أي تطور في مستوى الطالبات اللائي يتلقين دروسا خصوصية, ولا يُمكن أن أسمح لأبنائي بمثل هذه الدروس؛ لأنها ستعودهم على الاتكالية.

ويوافقها الرأي محمد سيف العبري -مشرف تربوي لغة عربية- حيث يقول: لن أسمح لأبنائي بالبحث عن درس خصوصي مهما كان؛ وذلك لتعويدهم الاعتماد على الذات". ويرى أنه للحد من هذه الظاهرة لابد من متابعة من قبل وزارة التربية والتعليم لجودة التعليم في المدارس, وكذلك توعية المجتمع بخطرها.

ويشير سالم البداعي -مشرف إداري- إلى أنَّ ظاهرة الدروس الخصوصية لم تعد تقتصر على طلاب دبلوم التعليم العام، بل حتى طلاب الحلقة الأولى، خاصة في مادة الرياضيات واللغة الإنجليزية.. ويصف هذه الظاهرة بغير الصحية، وأنه يجب تكاتف الجميع بدءا من الحكومة للقضاء عليها, ويوافقه في ذلك عبد الله حمد البوسعيدي مشرف إداري إذ يقول لابد من وجود قانون يحظر على المعلم القيام بالدروس الخصوصية خارج المدرسة, وفرض عقوبات لمن يقوم بذلك, وتفعيل القانون على أرض الواقع.

 

مدرسو الدروس الخصوصية

وتقول "علا--" مُدرِّسة: رغم أني قمت بتدريس دروس خصوصية في السلطنة في مادة اللغة الإنجليزية، إلا أنني ضد هذه الدروس، ولكن الواقع يفرض ذلك؛ فالطالب بحاجة لهذه الدروس بسبب تقصير بعض المعلمين في المدارس الحكومية؛ حيث تؤكد علا من خلال تجربتها كمعلمة خصوصية في مادة اللغة الإنجليزية بأنَّ هناك تقصيرا في تدريس هذه المادة في المدرسة, وترى أنه من المؤسف أن يطالب هؤلاء المعلمون برفع الأجور في حين أنهم لا يقومون بتقديم ربع المعلومات المطلوبة, وأضافت علا بأنها تحدثت إلى الأهالي ونبهتم إلى ضرورة الوقوف في وجه المعلمين المقصرين, كما كانت تقول إن الحق على الطالب عندما يسكت على هكذا نوعية من المعلمين.

أما "فتحي--" -يعطي دروسا خصوصية في الفيزياء- فيقترح أن تقوم وزارة التربية والتعليم بفتح مدارس بالأجر (غير المدارس الخاصة)؛ بحيث يكون المعلم مؤهلا وعدد الطلاب قليلا في الصف الواحد, وهكذا حسب ما يقول تُوجَّه أموال أولياء الأمور إلى الوزارة نفسها, فتستفيد الوزارة والطالب والمدرس, لأن ما يتم ضخه في الدروس الخصوصية -حسب اعتقاده- موازٍ لاقتصاد الدولة، وهو مكلف وعبء على ولي الأمر والأسرة.

تعليق عبر الفيس بوك