سياسة الصعود إلى الهاوية

علي بن مسعود المعشني

تُمارس أقطار التطبيع العربية سياسة الصعود إلى الهاوية بكل تجلياتها، منذ ماسُمي بحرب تحرير الكويت عام 1991م، فبعد استدعاء أقطار الخليج وسماحها بقدوم نصف مليون جندي أمريكي بكامل عدتهم وعتادهم، محمولين مشمولين حتى بقوائم أطعمتهم ومشروباتهم المفضلة وعلى نفقة خزائن الخليج، يمكن القول بتطبيق الشق الأول والهام من نظرية كيسنجر والقائلة بضرورة احتلال منابع النفط وتأمينها في حال حدوث أي خطر عليها كجزء من خطة طوارئ غربية لتأمين النفط في الخليج والتضحية بالنُظم إن تطلب الأمر. وقد توفر هذا الشرط بذريعة تحرير الكويت وتدمير العراق معاً وبتمويل عربي وبغطاء عربي كذلك.

أغلب العرب اليوم يتنصلون من وصمة العار تلك، بترديدهم لمقولة: نحن كنّا مع تحرير الكويت، ولكننا ضد تدمير العراق، ولكنهم في عام 2003م، ساهموا في تدمير العراق بنجابة، دون وجود مُحتل من قبل العراق، فسقطت ورقة التوت الأولى عنهم.

جميعنا يعلم، وقليلنا يتذكر، أن ما سُمي بـ تحرير، مر عبر تدمير الجسور والسدود المائية والجامعات ومراكز البحوث في العراق أولًا من دهوك شمالًا إلى الزبير جنوبًا، بينما كانت الجيوش "المحتلة" على جغرافية الكويت. وجميعنا يعلم وقليلنا يتذكر مشاعر الحزن العميق لتوظيف الجامعة العربية لمنح الشرعية للقوات الأجنبية بتدمير العراق، وتجاوز وتجنب أيّ حل عربي، في خرق واضح لميثاق الجامعة، والذي ينص على الإجماع وليس الأغلبية في تنفيذ القرارات.

كان هذا المؤتمر بمثابة الإسفين الأول في نعش الجامعة والتضامن العربي. والذي تطورت ثقافته حتى أصبح في فصول الربيع، أداة ماضية بيد أعداء الأمة. من تجميد عضويات الدول ومنح الغطاء الشرعي للبند السابع وجلب الخصوم، وصولًا إلى تشكيل القوة العربية المشتركة اليوم والتي ولدت من رحم "عاصفة الحزم " وقمتي شرم الشيخ الاقتصادية والعربية.

ما ليس بجديد، هو القوة العربية المشتركة والتي كانت نواتها في عام 1961م، تنفيذًا لقرار الجامعة العربية حينها بتفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك، بعد تهديدات العراق للكويت في عهد عبد الكريم قاسم. فتلك القوة ولدت ميتة ولم تر النور بسبب زوال دواعيها. ثم بُعث شيء شبيه بهذا عام 1991م، وهو ما عُرف بدول إعلان دمشق، والذي ضم أقطار مجلس التعاون حينها إضافة إلى سوريا ومصر، وكان الإعلان في ظاهره أقرب إلى الحلف العسكري، وفي باطنه امتصاص لنقمة الشارع العربي وصدمته من تداعيات أزمة احتلال الكويت واختلال مفهوم الأمن القومي العربي، إضافة إلى صدمته من صفقات المليارات من الأسلحة الخردة، والقادرة بالورق على تحرير فلسطين 17 مرة على الأقل.

مات إعلان دمشق وانسحب المؤسسون له دون طقوس أو مراسم، بعد أن أودعوا مبلغ (3) مليارات من الدولارات في الخزينة السورية كعربون محبة ورضا عابرين، ما بين تيارين متوازيين لا يلتقيان، وبينهما برزخ غربي كي لا يتعاونان أو يتفاهمان (التطبيع والمقاومة). جميعنا يعلم وقليلنا يتذكر تداعيات أزمة الكويت على النظام السياسي العربي والوجدان الشعبي العربي، وما تلا ذلك من يأس وإحباط مركب دفع بالشعوب إلى واجهة الأحداث وتملك زمام المبادرة، بعد أن تيقنت من هشاشة النظام السياسي العربي وتواضع أدائه وطموحه، لقيادة أمة بحجم وأمجاد الأمة العربية.

فقد خرجت القاعدة وأخواتها في جزيرة العرب، وتعاظمت المقاومة كثقافة وفصائل وحضور شعبي، وزادت الفجوة اتساعًا ما بين النُظم الرسمية، والمبادرات الشعبية العربية، حتى أصبح للشعوب "جيوش" ووسائل إعلام ووسائل دعم، وخلايا نشطة ونائمة في ربوع الوطن. الفرق في "القوة العربية المشتركة" اليوم عن سابقاتها من التجارب، أنها أتت في زمن الربيع وكأنها تعلن حرباً مفتوحة بين النظام السياسي العربي والشعوب العربية مباشرة، وتحديدًا فصائل المقاومة، بدليل مباركة أمريكا لها منذ الوهلة الأولى، وهذا معناه أنها قوة لن تحرر أرضا أو تحمي عرضا على الإطلاق . ولكنها يُرجى منها من قبل رعاتها ومكونيها أن تكون "عاصفة" دائمة لا تهدأ . لم يستوعب النظام السياسي العربي بعد، أن نجمه قد أفل، وأن قرابينه المجانية للغرب لن تُصلح ما أفسده الدهر. وأن الخصومات مع الشعوب وتوسيع دوائر الأعداء والثأرات ليست من السياسة في شيء.

قبل اللقاء: أحبوا أوطانكم ولا تُشركوا بها شيئًا، فحب الوطن من الإيمان. وبالشكر تدوم النعم.

Ali95312606@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك