اليمن ... كعب أخيل الجزيرة العربية

عبيدلي العبيدلي

تراجعت أخبار مؤتمر الرياض بشأن المصالحة الوطنية في وسائل الإعلام كي تحتل مكانها صور انفجار "القديح" في منطقة القطيف من المملكة العربية السعودية، الذي نال استهجان الجميع دون أي استثناء، بمن فيهم الجهة الفعلية التي تقف وراء الانفجار. والمقصود بهذه الجهة ليست الجهة المنفذة، لكن الجهات التي لها مصلحة فعلية مباشرة لحالة فوضى التفجيرات التي تجتاح البلاد العربية. وهذا يجعل المنطقة العربية برمتها كمن يقف على "لولب نطاط" تقفز فيه أحداثها من مكان إلى آخر من الجزائر شمالا غربا حتى اليمن، وأخيرا القطيف جنوبا شرقا.

ولربما باتت أحداث الساحتين العراقية والسورية هما الأكثر حضورا في التغطيات الإعلامية، بفضل تسارع وتيرة الأحداث، وحجم التفجيرات، ومستوى التحالفات التي تربط بين القوى السورية الفاعلة على الساحة، والقوى الإقليمية والدولية ذات العلاقة.

رغم ذلك تبقى للحالة اليمنية موقعها الخاص في خارطة الصراعات العربية القائمة والتحالفات الضالعة فيها بفضل الأسباب التالية:

1. الموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي تحتله اليمن، سواء جراء تحكمها في حركة الملاحة البحرية عبر مضيق باب المندب، أو بفضل احتضانها البري للحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية، حيث تحظى هذه الأخيرة بدعم دولي ليس من مصلحته المساس بتكوينها السياسي أو حتى الاجتماعي.

2. العلاقات اليمنية - الإيرانية، والتي لا تشمل جميع الفئات في كلتا البلدين، لكنها تقتصر على أجنحة في كل منهما، لها مصلحة مباشرة في عدم استقرار اليمن الداخلي من جانب، وتردي علاقاته الخارجية مع جيرانه العرب، وفي المقدمة منهم المملكة السعودية من جانب آخر.

3. حجم الجالية اليمنية المقيمة في دول مجلس التعاون، وخاصة في المملكة العربية السعودية، وحساسية الأجهزة العاملة فيها. فهناك ما لا يقل عن ستة ملايين يمني، يقطنون مختلف العواصم الخليجية، ونسبة لا بأس بها منهم يعملون في بعض أجهزة الأمن الحساسة، والبعض الآخر يتبوأ مواقع متقدمة في مجتمعات الأعمال الخليجية. ومن الخطأ استبعاد الاستعانة بهم في خارطة الصراعات القائمة من قبل بعض القوى الخارجية.

من هنا ينبغي ألا تحرف أحداث ساحات عربية أخرى عما يدور على الساحة اليمنية من تداعيات، نظرًا لخطورة هذه الأخيرة، وعجز البعض عن تقدير الحيز الحقيقي الذي تحتله في خارطة المستقبل العربي المنظور.

ومن أجل تقدير الموقف اليمني على نحو صحيح، وفهم أبعاده الحقيقية من منطلقات سليمة، لا بد من استقراء السيناريوهات المتوقعة له، وفقا للظروف القائمة والتحولات المتوقعة لإفرازاتها.

تنتظر اليمن، كما تنذر الأوضاع السارية، مجموعة من السيناريوهات، يمكن رصد الأكثر احتمالا منها في النقاط التالية:

1. استمرار المعارك على النحو التي هي عليه، مع التذبذب صعودا أو هبوطا في شدتها، دون أن يقود ذلك إلى أيّ شكل من أشكال الهدنة بين الطرفين. ومن الطبيعي أن يقود استمرار الحرب إلى تحولات نوعية في طبيعة التحالفات ومكوناتها، لكنها جميعا سوف تصب في طاحونة استمرار الحرب، سواء في اتجاه توسيع نطاقها، أو تقليصه. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن التغير في طبيعة التحالفات، التي سوف تقود تلك التحولات، لن يقتصر أمره على القوى المحلية، بل سيتسع كي يشمل الإقليمية والعالمية أيضاً.

2. تناوب الأوضاع بين معارك ضارية تعقبها هدنة مؤقتة، وتتخللها صدامات متفرقة، دون أن يقود ذلك إلى وضع حد لها، بل ربما يضاعف التناوب من مراراتها، وينشر سحابة من اليأس في نفوس من يشارك فيها، سواء في المعارك، أو في اجتماعات الهدنة. ويتكرر هنا المشهد اللبناني، وربما يمتد إلى فترة أطول، جراء الأوضاع اليمنية ذاتها.

3. انشطار اليمن إلى أكثر من كيان سياسي، حيث يستقل الشمال بعد أن يفقد بعضا من أراضيه، وينقسم الجنوب إلى أكثر من دولة إحداها حضرموت، وثانيها المهرة، وثالثها ما تبقى من اليمن الجنوبي سابقا. وليس بالضرورة توفر مقومات الدولة بالمعيار الصحيح والدقيق لأي منها، لكن الحقائق تفرض نفسها، وتجبر متلقيها على القبول بها.

4. استمرار المحادثات التي تمت الدعوة لها في جنيف، على نحو مواز لواحد أو أكثر من السيناريوهات المشار لها أعلاه، الأمر الذي يستدعي تدخل الأمم المتحدة، وهو ما سوف يجر الساحة اليمنية إلى مسار آخر، ليس الاستقرار واحدا منها، وهو ما سوف يرجح كفة الحل بواسطة شريك دولي، تحت مظلة الأمم المتحدة. وهو ما سيأخذ اليمن نحو نفق مظلم يصعب التكهن بساعة خروجها منه.

كل هذه السيناريوهات، وربما ترد على أذهان البعض أخرى غيرها، تنذر بطول الأزمة اليمنية، رغم أنف كثرة المتفائلين بقرب الوصول إلى حل بشأنها. وطالما أنه من الطبيعي أن اليمن لن تكون، حينها معزولة عن شقيقاتها الخليجيات، فمن المتوقع أن تنتقل العدوى اليمنية إلى واحدة او أكثر من الدول الخليجية، وعندها ستدخل الجزيرة العربية برمتها في النفق اليمني المظلم. وسوف يكون المستفيد الأكبر من هذه الحالة إيران وإسرائيل، دون أن نستثني الولايات المتحدة.

هذا يجعل من اليمن، بفضل الحالة التي يعيشها، والسيناريوهات المتربصة به، كعب أخيل الجزيرة العربية الذي يشكل الثغرة التي يمكن ان ينفذ منها أعداء العرب فيحصدون ما انتظروه طويلا. ومن الخطأ حصر تلك الفائدة في تدخل مباشر، أو تغلغل مكشوف، بل ما سوف نشهده تسلل مموه يبدأ من اليمن، وينتشر تحت عباءات مختلفة الألوان والأشكال في مختلف دول الجزيرة العربية، كي يحولها بشكل تدريجي إلى يمن أخرى.

تعليق عبر الفيس بوك