على عتبات الإجازة الصيفية

مريم العدوية

ما هي إلا أيام قليلة تفصل بعض الطلاب عنإجازة نهاية العام الدراسي، بينما بعضهم قد بدأ موسم الإجازة فعلاً. ومع هذا الموسم تُمطر الأهل إعلانات المراكز الصيفية والمعاهد، حيثُ تبدو المعادلة واضحة جداً، فمن جانب الأهل يبحثون عن مكان يقضي فيه أبناؤهم الوقت منشغلين بعيداً عن البيت وعنهم! لاسيما وأنّ الكثير من الأهل يتحتم عليه الاستمرار في العمل. ومن جانب آخر يُقبل الكثيرون على فتح المراكز الصيفية والمعاهد وما شابه متّخذين الأمر تجارة يتكسّبون فيها بعض المال. وفي منتصف هذه المعادلة غالباً حقيقة مرة؛ فللأسف بات الأهل سلبيين فيها في كثير من الأحيان، فلا يبالون بالمنفعة الحقيقية لأبنائهم من البرامج الصيفية، وحسبهم أنّ يتخلصوا من وجود الأبناء في البيت لفترة من الزمن، ويرتاحوا بالتالي من زيادة عبء فض المشاجرات وملء أوقات الفراغ، وفي الكفة الأخرى كثرت الأبواب التي تستقبل الأبناء وترحب بهم تحت أي بند يرتضيه الأهل، مقابل المال؛ بل قل الكثير من المال! وباتت الأسعار خيالية في الكثير من المراكز تحت دعوى "يشرف عليها مختصون وتقدم الكثير من الفعاليات للأطفال والرحلات" والتي ينتهي بها المطاف بإقامة حفل للرسم على الوجوه ولعبة الكراسي وحسب وزيارة حديقة عامة! وتتبخر معها كل الوعود باكتساب مهارات جديدة أو تعلّم شيء مفيد.

ولأنّ الواقع لم يختلف كثيرُا عما كان عليه قبل عدة سنوات وذلك من باب متابعتي للوضع الحالي عن قرب، فإنّه يمكنني أن أسرد ما جرى قبل عدة سنوات عندما التحقت بأحد مراكز تعليم اللغة الإنجليزية في الفترة الصيفية أيام المدرسة.

كانت الحافلة تقلنا ونحن في مختلف المراحل العمرية لدرجة أنّك قد تجد إلى جوارك طفلا في الثالثة أو الرابعة بينما أنت على مشارف السادسة عشرة، ومن ثمّ تنتظر في مكان المعهد الذي هو عبارة عن صفوف دراسيّة مستأجرة في أحد الأندية ساعتك الذهبية، حيث ستدخل إلى الصف مع الطلاب المساوين لك في الصف الدراسي ولمدة ساعة أو ساعتين بالكثير سيقوم أستاذ للغة بالشرح السريع والمقتضب لبعض قواعد اللغة. ومن ثمّ تغادر ليحل محلك آخرون وهكذا. كانت تكلفة الدورة ليست بالبسيطة وفي المقابل الوقت لا يكفي حتى لسؤال أو استفسار عن الدروس! ناهيك عن الأطفال الذين تشعر أنّهم موجودون في المكان الخطأ، فما زال موضوع الدورة مبكرًا عليهم؛ هذا بغض النظر عن الأساليب المُتّبعة ووسائل التعلم والأنشطة التي لا وجود لها أساسًا في قاموس القائمين على الدورة.

لا يمكن أن يُلقى العتب كله على الأهل الذين يحاولون جاهدين أن يُلبّوا كل احتياجات أبنائهم، ولكن في الكثير من الأحيان يتعذّر عليهم خدمتهم بأكثر من البحث عن أقرب مركز صيفي؛ وذلك لعدم تواجدهم أصلا في البيت بحكم الدوام في البيت في تلك الفترة، ومن ناحية أخرى فإنّ المراكز الصيفيّة وما شابهها تبحث عن الربح وتقوم غالبًا على جهود فردية.

إنّ الحلقة المفقودة في الحكاية هي الجهات الداعمة والمؤسسات التي وجودها غالبًا يبدو كعدمه، فنحن بحاجة إلى تفعيل جهود الأندية وذلك بالقيام بالكثير من الأنشطة والفعاليات. كما أنّ الأعمال التطوعيّة التي أوشكت أن تنقرض لها دور كبير في سد الفجوة. فلا ريب أنّ اختفاء حلقات تعليم القرآن في المساجد تدريجيًا وبشكل ملفت للنظر والمعسكرات وغيرها تدق ناقوس الخطر.

إنّ الإجازة الصيفيّة مثاليّة جداً لتنمية مواهب الطلبة ومهاراتهم لتعويض النقص الذي نعاني منه في المناهج الدراسيّة لاسيما من ناحية الثقافة الدينية وتنمية المهارات الأسرية والاجتماعية، ومن هنا ندعو الأهل إلى التقرب في هذه الفترة قدر المستطاع من أبنائهم؛ ليعدوهم رجلا ونساءً لغد أفضل. وليركزوا على الأمور التي كانوا لا يستطيعون أن يثقلوا كاهل أبنائهم بها في فترة الدراسة لانشغالهم بمتطلبات المدرسة. فتشارك البنات أمهاتهنّ الطبخ وتدبير المنزل وتتعلم مهارات الحياكة أو ما يستهويها من هوايات تعود على النفس بالكثير، وبالمثل للأولاد فهي فرصة؛ ليفسح المجال عن الرجل الصغير بداخلهم ليتعلم ويفتح عينيه على أمور الحياة وخط سيرها.

وصدق أبو العتاهية حين قال:

إنّ الشباب والفراغ والجدة * مفسدة للمرء أي مفسدة

فالفراغ من شأنه أن يفتح على الأبناء والأهل على حد سواء بابًا من ريح المشاكل والمساوئ، بل قل عاصفة من ذلك. ومتى ما أدرك الأهل أنّ للوقت ثمنا، وأنّه تماما كالسكين؛ قد تصنع بها حسنا وقد تقتل بها نفسًا؛ كان الأبناء في خير وأمان.

تعليق عبر الفيس بوك