تقاعد مع سبق الإصرار والترصد

 

مدرين المكتوميّة

 

يعد نظام التقاعد المبكر والذي يسمح للموظف الحكومي بالتقاعد بعد 20 عامًا من الخدمة أحد القوانين المؤثرة في قطاع الخدمة المدنية. حيث يعود هذا النظام إلى فترة التسعينيات من القرن المنصرم؛ حينما قدّم البنك الدولي توصية بخفض أعداد موظفي القطاع العام لأسباب اقتصادية وإدارية عدة لسنا بصدد الحديث عنها الآن.. ولا ننكر أنّه - اي القانون- كان يحمل فيطياته عددا من الفوائد الملموسة والآثار الإيجابية في ذلك الوقت من عمر الوطن؛ إلا أنّه بمقاييس اليوم ترك عددًا من الآثار السلبية، أبرزها أنه أفرغ الإدارات والمؤسسات الحكومية في ظرف سنوات قلائل من أفضل كفاءات العمل الحكومية، مما أدى إلى التخبط والعشوائية في بعض المؤسسات؛ وما بطء العمل والشكاوى من بيروقراطية الإجراءات والتنفيذ إلا رأس جبل الجليد.

كيف لنا أن نتخيل تقاعدًا مبكرًا لطبيب عماني ونحن في أمس الحاجة إليه في ظل ما يعتري مؤسساتنا الصحية من نقص في عدد الأطباء والكوادر المتخصصة.. ونفس الحال والتساؤل ينطبق على فئة أساتذة الجامعات ومعلمي المدارس.. وطالما الأمر كذلك فما الذي يمنعنا من مراجعة ذلك القانون حفاظًا على مصالح البلاد والعباد، وإن كان للقانون ثمة فوائد أو حقق نجاحًا في تلك المرحلة التاريخية وفق معطيات وظروف اقتصاديّة معينة فليس بالضرورة أن نجري ذات القانون على عصر الألفية الجديدة، التي تغيرت فيها كثير من المعطيات، وحققت فيها السلطنة قفزات اقتصادية واجتماعية جعلتها تتربع مصاف الدول المتقدمة في شتى المناحي. فلابد من استصحاب التطور الذي انتظم اقتصاد السلطنة والخدمة المدنية، فالمراحل تتغير ومتطلبات الوقت تختلف باختلاف أجياله وتقدمها.

فبالنظر العميق لتجارب عدد من الدول الشقيقة والصديقة من حولنا سنجد أنّ نظام التقاعد لديها - حتى المبكر- يتم تطبيقه بعد سنين خدمة طويلة، الأمر الذي يسمح بانتقال الخبرات وتعاقبها بين الأجيال اللاحقة من خلال الاحتكاك بأصحاب الخبرات الطويلة حتى يكونوا مؤهلين لحمل الراية من بعدهم وشغل المناصب التي يتقاعد أصحابها..

وإن سرنا على هذا المنوال فلا شك أننا سنخسر عددًا من الكفاءات التي يحتاجها الوطن ودولاب العمل الحكومي.

هناك نقطة أخرى جديرة بالملاحظة؛ وهي أنّ التعديلات الأخيرة التي أجريت على قانون التأمينات الاجتماعية جعلت عددًا من ذوي الخبرات والكفاءات العمانية يتقدمون بطلبات تقاعدهم المبكر؛ وذلك لأنّ التأمينات الاجتماعية أصبحت تحتسب من الراتب الكامل بما فيها العلاوات؛ وبقليل من الحسبة سنخلص إلى أن الدولة بدلا من أن تدفع راتبًا واحدا ستدفع راتبين الأول للموظف على رأس العمل، والثاني للموظف المتقاعد، وهذا الأمر من شأنه أن يثقل كاهل الدولة في المستقبل؛ لاسيما أنّ قاعدة الخدمة المدنية توسعت وتمددت أكثر من السابق.

الرؤية التي يجب أن تتحق قريبًا هو العمل على وضع تعديلات تتناسب والوضع الراهن خاصة أننا بحاجة للعديد من الكفاءات التي تنتهي فترة خدمتها من أطباء عمانيين متخصصين ومهندسين وغيرهم من الكوادر.. لذا لابد من مراجعة الأمر ومعالجته بما يتماشى ومصلحة الوطن؛ من خلال استحداث قوانين جديدة وإدخال تعديلات تتناسب مع الظروف الاقتصادية الراهنة حتى لا نصل لمرحلة وجود فجوة كبيرة بين تطبيق القوانين والتوظيف والرواتب، ولابد أن نعي وننتبه إلى أنّه وفي غضون سنوات قلائل سيكون هناك ازدياد في نسبة خريجي مؤسسات التعليم العالي وربما بنصف نسبتهم الحالية، وقبل كل ذلك لابد من تعويض نقص الكفاءات عبر انتهاج منهج التدريب والتطوير والتأهيل، وتجهيز أبناء الوطن لشغل مناصب يساهمون عبرها في مسيرة النماء والنهضة المباركة.. وأن يتم معالجة التكدّس الوظيفي في قطاع الخدمة المدنية بحسن الإدارة والتوزيع.. وبصريح العبارة لا نريد أن نرى عددًا كبيرًا من الموظفين في الدائرة الواحدة في نفس التخصص ولا يعمل بالدائرة إلا شخص واحد.. والذي قد يكون "الأقدم".

Madreen@alroya.info

 

 

تعليق عبر الفيس بوك