أزمة مياه..

أحمد الرحبي

أن نبلغ في كل مرة مرحلة الأزمة في ما يخص عنصرًا أساسيًا مهما من عناصر الحياة، هو الماء، فذلك يعكس بلا شك حالة خلل بليغ أولا على مستوى التخطيط الذي نوليه دائمًا ثقتنا لعقود وعقود قادمة كما هو متوقع من مفهوم التخطيط، وثانيًا في المرافق العامة وشبكة توزيع المياه إحدى أهم هذه المرافق، فالأزمة باتت تطل برأسها دائمًا من دون حل أو معالجة جذريّة بالنسبة للماء الذي يظل الاعتماد عليه بشكل ضروري وماس، من مصدر واحد وحيد وهو الشبكة الحكوميّة لتوزيع المياه وإيصالها إلى المنازل والبيوت، خاصة وأنّه لا تتوفر هناك بدائل لمصدر مضمون يمكن الاعتماد عليه في حالة أزمات كهذه من انقطاع الماء وشحه المفاجئ، في ظل منع رسمي صارم لحفر الآبار أو تقنينه بموجب شروط صعبة ومعقدة، وهو باب قد تم قفله إن لم نقل صفقه في وجه من يريدون التحوط من هكذا أزمات مفاجئة وبدون سابق إنذار لانقطاع المياه في بيئة جافة وشديدة الحرارة كبيئتنا، خاصة مع الحاجة الماسة المتزايدة للمياه لمختلف الاستخدامات المنزلية والصناعية ولأنشطة ري الحدائق، في نطاق مديني ما فتئ يتوسع سكنيًا وسكانيًا في مختلف مناطق السلطنة، فالمياه لم تعد ترتبط بإرواء العطش كما في السابق وري المزروعات فقط، بل أصبحت المياه تدخل في مختلف الاستخدامات المعيشية منها المنزلية والصناعية وحتى الزراعية المحدودة كري الحدائق المنزلية.

ولا شك أنّ شح المياه وندرتها في نطاق المنطقة الجغرافية التي تقع فيها السلطنة والتي تتميز بالجفاف الشديد مع شدة الحرارة، تجعل مهمة توفير هذا العنصر الحيوي، مكلفة من حيث توفير المصادر البديلة للمياه والتقنية الفنية التي تمكننا من الاستفادة من هذه المصادر البديلة، ونقصد هنا الاستفادة من مياه البحر عن طريق تقنية التحلية والتي تتميز بكلفتها العالية، مع ما يرافقها من تلوث بيئي، ينتج عن عملية التحلية على المدى الطويل.

وبالنظر إلى أن التساقطات المطرية مهما كانت غزيرة خاصة في فصل الشتاء، كثيرا ما يقل نفعها، ذلك إنه مهما يكون المطر في فصل الشتاء، يتساقط مدرارا كأنه ينزل من أفواه القرب كما يقولون، ويتدفق من السماء مصحوبا برياح شديدة عاتية، حتى أن كمية المعدل الشهري في بعض المناطق العمانية يمكن أن تتساقط دفعة واحدة في ساعات قليلة، فتفيض الأودية وتخرج عن مجاريها الطبيعية مسببة الكثير من الأضرار، إذ لا يمكن الاستفادة من هذه الكميات الغزيرة من المياه وتذهب جلها هدرا إلى البحر أو الصحراء.

إنه من أجل التعامل مع هذه الحقائق التي تم ذكرها سلفا ووضعها في الحسبان دائما أو كمنطلق لأي تخطيط حقيقي علمي ومدروس، يخص موضوع المياه في السلطنة والذي يجب أن يرفع إلى مستوى كبير في التركيز عليه وإيلاء الاهتمام به، مستوى يجعل موضوع المياه في مصاف الأمن الوطني الذي لا يمكن أبدا التساهل بشأنه وإهماله، ومن أجل تحقيق ذلك بدون إبطاء أو تأخير، لا بد للدولة أولا من وضع استراتيجية واضحة المعالم وبعيدة المدى للتصدي لموضوع المياه، استراتيجية لا تقل في المستوى والتخطيط والأهداف المرجو الوصول إليها من وراء هذه الاستراتيجية، عن الاستراتيجيات الاقتصاديّة والأمنيّة والدفاعيّة التي تشغل بال المخططين عادة في كل دولة أو تكون على رأس اهتماماتهم دائمًا، ولكي لا يوصف كلامنا هنا بشيء من المبالغة، لا بد من التذكير بحقيقة مهمة بأن الحروب مستقبلا في الشرق الأوسط يتوقع الخبراء لها بأن تستعر أو تدور رحاها حول المياه، نظرا لطبيعة هذه المنطقة الجافة التي تشهد منذ سنوات تنازعات صامتة واختلافات ما زالت حتى الآن قيد التحكّم والسيطرة حول المياه، مثال على ذلك استيلاء إسرائيل على مخزون بحيرة طبريا التي تقع بين سوريا وأرض فلسطين، والخلافات التي تفجرت بين سوريا والعراق من جانب وبين تركيا من جانب آخر، وذلك بسبب قيام الدولة التركية ببناء عدد من السدود أهمها سد أتاتورك، على مجرى الأنهار والمجاري المائية التي تنبع من أراضيها، مما أعطى تركيا قدرة فنية بواسطة هذه السدود ووسيلة للتحكم بمنسوب المياه المتجهة إلى سوريا والعراق، وغير خاف طبعا الخلافات الناشبة منذ السبعينيات أو أبكر من ذلك حول مياه نهر النيل بين إثيوبيا ودول المصب، والتي تطورت هذه الخلافات منذ سنوات قليلة وبلغت حد الأزمة خاصة بين مصر وإثيوبيا، وذلك نتيجة شروع إثيوبيا ببناء مشروع كهرومائي كبير قريب من منبع نهر النيل وهو ما يعرف بسد النهضة.

وعودة إلى أزمتنا المتكررة مع نقص المياه وانقطاعها، لا بد للاستعداد في مواجهة أزمة كهذه متعلقة بالمياه؛ وهي الحال التي كثيرا ما نعاني منها في كل مرة يحدث خلل غير متوقع في إحدى محطات التحلية أو عطل في أنابيب شبكة المياه العامة في بعض مدن السلطنة، ليس علينا سوى الرهان على مخزون المياه الجوفية والذي نجد أن الإجراءات المشددة للحد من حفر الآبار في أماكن وجود هذا المخزون من المياه، تعتبر ضرورية، وتنم عن وعي عال بالبيئة، وتساعد على المحافظة على المياه وصيانتها من التعرض للهدر والاستنزاف نتيجة الاستخدام الجائر، وإذا كان لكل قاعدة استثناء، فإنه يمكن الاستفادة من الاستثناء المحدود في منع حفر الآبار، من أجل حفر آبار ارتوازية في كل منطقة من المناطق السكنية، وتخصيصها كمصدر احتياط للمياه وذلك لاستخدامها في حالات الطوارئ عند النقص الحاد للمياه وشحّها من المصدر الأساسي للشبكة العامة لتوزيع المياه، لكي لا نعاني هذه المعاناة من نقص المياه ولا نبلغ مرحلة الأزمة بسبب شحها.

تعليق عبر الفيس بوك