الإدارة الاستراتيجية وبيئة العمل العصرية

خلفان العاصمي

تأتي الإدارة الإستراتيجيّة لتكون البوصلة التي توجه المؤسسة وتحدد لها الاتجاه الصحيح الذي يجب أن تسير عليه، وبرغم أهميّة التخطيط الاستراتيجي، إلا أنّه لم يعد كافيا لدرجة تجعلنا نقف عنده، بل بات الأمر يتطلب تطوير إمكانيّات التفكير الإستراتيجي لتطوير مهارة إعداد خرائط وسيناريوهات المستقبل لدى المسؤولين، وهذا يوفّر تحليلا يؤدي إلى اتخاذ قرارات استراتيجية أكثر حكمة، كذلك لم تعد الآليات المستخدمة في الإدارة الاستراتيجيّة كافية بشكلها المعتاد لمواجهة حالات الاضطراب الموجودة في البيئة العالمية التي نعيشها، ومن ناحية أخرى فإنّ النجاح في صياغة الاستراتيجية لا يضمن بالضرورة النجاح في تطبيقها، فغالبًا ما يكون التطبيق أكثر صعوبة، الأمر الذي يتطلب الوعي الكامل بأساسيات التطبيق الاستراتيجي، كذلك لا تقل المراجعة الاستراتيجية أهمية عن الجوانب السابقة، فمراجعة وتقييم الاستراتيجيات يمثل أهمية بالغة بسبب أن التغيرات الداخلية والخارجية ليست ثابتة على المدى البعيد، ومن ثمّ يعمل التقييم الاستراتيجي على اتخاذ الإجراءات التصحيحية لتصحيح مسار المؤسسة باستمرار- مع ظهور التخطيط الاستراتيجي كأحدث صورة من صور التخطيط في المؤسسات، وأدّى هذا النوع من التخطيط إلى تغيير الكيفية التي تخطط بها هذه المؤسسات لوضع الاستراتيجيّات الخاصة بها وتنفيذها، وأصبحت الإدارة الاستراتيجيّة أداة أساسية للمؤسسات لكي تتعلم وتتطور إذا أرادت صياغة حالة من التميّز والاستجابة بطريقة فعّالة للتغيّرات العالمية الآخذة في التسارع والازدياد، ولعلّ أول من اهتم من علماء الإدارة المعاصرين بالاستراتيجيّة في أبحاثه الإداريّة، أستاذ التاريخ الإداري في جامعة هارفارد الأمريكية (الفريد شاندلر) حينما استعرض في كتابه الذي أصدره عام 1962 الهياكل التنظيميّة للشركات الكبرى في أمريكا وخرج بأربع استراتيجيّات تتعلق بالنمو والتطور مؤكداً أن تنمية وتطور الهياكل التنظيمية يعتمد بشكل أساسي على الاستراتيجيّة.

ونظراً لأهميّة التخطيط الاستراتيجي فقد أصبح مساقا يدرس في معظم كليّات الإدارة في الدول المتقدمة في نهاية الستينيات، وفي نهاية السبعينيات بدأ تدريسه في الدول النامية وخصوصاً في الدول العربية، وظهرت الحاجة إلى بلورة مفهوم الإدارة الاستراتيجية خصوصا مع تغير بيئة الأعمال المستقرة إلى بيئة سريعة التغير، وما تتضمنها من منافسة عالية وظروف بيئية غير مؤكدة، وضرورة الاستجابة لمتغيّرات المواقف البيئية التي تواجهها المؤسسة، وكذلك تحليل الفرص والتهديدات في البيئة الخارجية وتخصيص الموارد التنظيمية بما يضمن وضع الأهداف والغايات الرئيسية في المؤسسة ومن ثمّ اقتناص الفرص البيئية المتاحة وتجنب أو تقليل التهديدات المحتملة، وعند ذلك القيام بتخصيص الموارد وتحديد السياسات التفصيلية ومتابعة وتقييم تنفيذ الاختيار الاستراتيجي، وقد أصبح يطلق على المساق المذكور بالإدارة الاستراتيجية وتحول الاهتمام بمادة الإدارة الاستراتيجية للتركيز على مستوى المؤسسة ككل، مما دعا الجامعات وكليات الإدارة لتعليم طلبة إدارة الأعمال مفهوم البيئة وأنواعها وتأثيراتها على منظمات الأعمال من حيث اتخاذ قراراتها وفي صياغة رسالتها وأهدافها، وقد أدى اهتمام الرواد والباحثين بتأثير العوامل البيئية للمنظمة ككل إلى استبدال مصطلح سياسة الأعمال بمصطلح الإدارة الاستراتيجية وذلك نظراً لشموليته وقدرته على تمكين المؤسسات من بلوغ أهدافها بفاعلية وكفاءة عالية.

تنبع أهمية الإدارة الاستراتيجية من خلال الإيمان بحقيقة أنّ الظروف المحيطة بالمؤسسات تتغير بسرعة فائقة وكذلك فإنّ أسلوب الإدارة الاستراتيجيّة هو الأسلوب الوحيد الذي يمكن المؤسسات من توقع المشكلات والفرص المستقبليّة، ودائمًا ما تتفوق المؤسسات التي تمارس الإدارة الاستراتيجية في أدائها عن تلك التي لا تمارسها، وذلك للفوائد التي تجنيها من خلال تطبيقها لهذا المفهوم والتي من أهمها أنّ الإدارة الاستراتيجية توفر أهدافا واتجاهات واضحة عن مستقبل المؤسسة لجميع العاملين بها، وتوفر المساعدة في تخصيص الموارد على أوجه الاستخدامات المتعددة للأنشطة المختلفة في المؤسسة وبالشكل الصحيح، وكذلك تسهم في إعداد وتهيئة القيادات العليا وتنمية مهاراتهم القيادية من خلال المشاركة في أنشطة الإدارة الاستراتيجية، ومساعدة المديرين على التحول إلى الأداء المبادر وليس الأداء بردود الأفعال وكذلك فهي تسهم في مساعدة متخذي القرارات الحكومية على تحسين جودة قراراتهم، فعدم تطبيق الإدارة الاستراتيجية في المؤسسات الحكومية يؤدي إلى زيادة التكلفة الناتجة عن سوء اتخاذ القرارات، وفشل الإدارة الحكومية في التعامل مع الملامح المتشابكة للإدارة العامة. إجمالا يمكن القول بأنّ الإدارة الاستراتيجية إدارة واعدة وذلك للمزايا العديدة التي من الممكن أن توفرها على صعيد الحساسية الملحوظة تجاه الرؤيا المستقبليّة للمؤسسة وتعزيز الاستيعاب والفهم للتغير والتطور المستمرّين للبيئة الداخلية والخارجية وتحديد إمكانية الملاءمة ما بين المؤسسة وهذه التغيرات.

تعليق عبر الفيس بوك