كرامات الشيخ تيمور

سارة البريكيَّة

حينما أشرقتْ شمس ذلك اليوم، وأخذت ترنو من جسده النحيل، خُيِّل إلينا أن ثمة حياة سيطول مداها سيستمدها بدءًا من تلك الإشراقة الجديدة لذلك اليوم، وحاك في نفوسنا أن جسده ستبقى الروح فيه إلى ما يشاء الله تهبه المستقبل.. هكذا كانت تقديراتنا لوضعه، فما علينا إلا بالظاهر ولا علم لنا بالغيب، وعلى الرغم من الحالة التي كان عليها، كان تيمور كثيرَ الإيمان بالله وبالقضاء والقدر، وكان وهو في مرضه يتمتم قائلا: ما من يوم ينشق فجره إلا وينادى "يا ابن ادم أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد فاغتنمني، فإني لا أعود إلى يوم القيامة" فكيف بحالتي هذه، سأؤدي واجبي تجاه ربي وأنا طريح الفراش.

كان تيمور رجلًا صالحًا وأصدقاؤه ممن على شاكلته كُثر، وأحبابه مشهود لهم بالكفاءة وبحسن السيرة والسلوك وهو أيضا كذلك، واعتادوا كل صباح يخرجونه من غرفته إلى الفناء ليشتم هواء نظيفا، وليستنشق عليلَ الفجر بعد انشقاق الغسق.

وتظهر عليه في أوقات مختلفة حالات من الوجوم والحزن، وتراه تارة عندما يتحدث مع نفسه، عيناه تغرورق بالدموع التي لا تنحبس مع الآلام في المآقي، بل إنها تسيل على مساحات خده، وتقطر من وجهه الحزين مدرارا.

تمضي الأيام تترى وكان يتمنى ألا تكون نهايته هكذا؛ فعشقه للحياة سرمدي وطموحه في أن تكون الظروف أفضل من ذي قبل لا حدود له.. في ذلك اليوم البحر كان غاضبا منذ صباحاته، وكان هديره يتعالى مع موجه المتلاطم، فهو لا يسترخي أبدا، ولم يهدأ البتة، وكان خوف الأهالي أن يجتاح منازلهم قائما، فكانوا يخشون أن يجرف حدوده ويتجاوزها، ويطمر مصادر الرزق التي كانت تغطي الأمكنة وهي عبارة عن بقية أسماك مجففة.

... إنَّ ذلك البحر الأخاذ بجماله أصبح في ذلك اليوم يثير الريبة والتوجس، والأهالي فيما بينهم يتساءلون عن سبب ثورة البحر بتلك الطريقة، وتشاوروا بينهم بالذهاب إلى مسجد الحارة للصلاة تقربا إلى الله تعالى بأن يحميهم من هذا العاتي، وأن يبعد عنهم شرَّه، فلقد غدا أشبه بالوحش الكاسر يخشى هيجانه، فلم يعد معروفا لديهم ما هو الشيء الذي ممكن أن يهدئ من غضبه، ومع تلك الزوبعة والرعب يحلُّ الظلام رويدا رويدا، وبدا الليل البهيم وحياتهم يسودها موجة حر شديدة ورطوبة لزجة، والبيوت غدت تلفها عتمة الليل وخرافاته.

ومع مغيب الشمس وأفول نورها، تحول تيمور إلى جسد بارد، الأنفاس به تتناقص، ومعدلات الزفير والشهيق تتباطأ، يتجمع حوله أهله، ويملأ الحزن تعابير وجوههم، وقرب صلاة العشاء تفيض روحه إلى بارئها، وفي الزقاق وسكك الحارة تسمع همسات وأصوات تقول: "إنا لله وإنا إليه راجعون"؛ مما يعني أن تيمور الرجل الصالح توفي، وإذا بالناس تتدافع إلى منزله، والواقف يسأل الماشي ماذا هناك؟ فيأتي الرد: "الشيخ تيمور مات".. النسوة في بيته يولولن، والرجال يحوقلون ويستغفرون، ويشرع الجميع كل بعمله في تحضير الجثمان لمواراته، واستغرق ذلك وقتا، وبعد مضي وقت تم فيه الغسل والتكفين، سجي الجثمان في باحة حاط بها الناس؛ وذلك لإلقاء نظرة الوداع والصلاة عليه، وبعد هذا يحمل صاحب البركات العابد تيمور في الأعناق، مخترقا به السكك المخيفة التي ليس بها نورٌ.. حاثين الخطى نحو المقبرة، وإذا بدوي صوت قوي قادم من ورائهم يكاد يلتهمهم، فإذا هو صوت البحر الذي عرف الأهالي فيما بعد أن سبب هيجانه وغضبه فجأة في ذلك اليوم، هو علمه المسبق بأن تيمور الرجل الصالح العابد الزاهد سيموت.. فيا لها من كرامات ومحبة أن تظهرها الطبيعة على فقدان بشر. وروي عن البحر أنه بعد وفاة تيمور فارق اليابسة والشاطئ، وابتعد عنها لمسافة ما يقرب أكثر من اثنين كيلومترا، ولم يعد مثل ما كان!

Sara_albreiki@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك