موظفو القطاع العام ناقوس خطر !!

علي بن مسعود المعشني

أعلنت وزارة الخدمة المدنية مؤخرًا أنّ عدد موظفي القطاع العام بلغ (180) ألف موظف بنهاية إبريل الماضي . وبالطبع نصف هذا الرقم "المُرعب" من الإناث!.

قد يبدو الرقم رقمًا عارضًا وفي سياق الإحصاءات السنوية التي تقذف بها المؤسسات في وجوهنا بين الحين والآخر، كمؤشرات تنموية، ولكننا حين نستنطق هذا الرقم المهول سنجد في ثناياه الكثير من نُذر عثرات التخطيط، والقنابل الموقوتة والتي ستنفجر في وجوهنا ذات يوم، رغم نعومة المشهد وبساطة مظهره لدى الكثيرين.

بلغة الأرقام، والتي لا تكذب في الغالب، فإننا على وشك أن نلتهم مُقدرات الوطن ونختزل تنميته في بنود المصروفات المتكررة، وتآكل نصيب التنمية والمصروفات الرأسمالية بالتدريج والتقسيط المريح ونحن بكامل وعينا.

فلو افترضنا أنّ معدل رواتب مجموع الرقم أعلاه (600) ريال عُماني شهريًا، فإننا ملزمون بسداد مبلغ (108) ملايين ريال عُماني شهريًا، ومليار و(296) مليون ريال عُماني سنويًا . ورغم تواضعنا في تقدير المتوسط إلا أنّ المجموع مُخيف وبحاجة ماسة إلى وقفة جادة وتخطيط عميق لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

نحن بحاجة ماسة اليوم - وأكثر من أيّ وقت مضى - إلى ترشيق الجهاز الإداري للدولة، وبعث الحيوية فيه، بعد أن بلغ من الكبر والترهل عتيًا . والمؤكد أن حاجتنا الفعلية كدولة من الموظفين في القطاع العام لا تتعدى نصف الرقم أعلاه، مع أهمية الحفاظ عليه وبعث الحياة والحيوية فيه، ودعمه بأسباب العصرنة، ليقوم بدوره على الوجه الأكمل، ويواكب العصر والحاجات الفعلية للبلاد والعباد.

فلا يُعقل أن تلتقي ثقافة الحكومة الإلكترونية - التي نروج لها ونسوقها - وتسير بالتزامن مع جيوش من الإدارة الورقية التقليدية، وألا يعني لنا ذلك أي شيء!. فمن المعروف أنّ الحكومة الإلكترونية تعتمد على الكيف الوظيفي لا الكم الوظيفي، وأن من أهم مظاهرها تقليص الاعتماد على الكادر البشري، وسد نقصه إن وجد.

لاشك أنّ خياراتنا اليوم بدأت تضيق كنتيجة حتمية لترحيل المشكلات والرهان على الزمن لوضع الحلول، وكذلك غياب التخطيط والسياسات والتعامل بسياسات ردود الأفعال كالعادة، وهنا تأتي الحلول - بطبيعة الحال - مُكلفة وباهظة، خاصة وأن المستفيد والضحية هو العنصر البشري، وهذا يعني الجراحة في صلب المجتمع ومنظومته ومكاسبه والتي أصبحت بحكم العُرف السائد أو القانون المسكوت عنه بحكم الحقوق الطبيعية والتي لا مساس فيها، وهنا مربط الفرس وناقوس الخطر.

فبحكم المؤكد اليوم، أننا بحاجة إلى جراحة مؤلمة بعض الشيء، للخروج بسلام من هكذا نفق ودورة حياة تتعاظم وتلتف حولنا وتتسبب في التهام المزيد من مقدرات الدولة وتبديد مكتسباتها، عبر هدر الإنفاق على قطاعات غير منتجة وفي أوجه لا يُرجى عوائد منها.

لا نمتلك اليوم من الحلول المفصلية، سوى تفعيل قانون تقاعد جاذب، نحيطه بمزايا مالية مجزية للمُتقاعد، تجنبه معاناة اقتحام سوق العمل مجددًا ومزاحمة الدماء الجديدة المستحقة، واللجوء كذلك إلى جملة من الحوافز الإجرائية والتنظيمية لضمان الاستقرار المالي والنفسي للمتقاعد، كشراء الحكومة لفوائد قروضه الشخصية والإسكانية، وإعفائه من السداد لأيّ قرض لمدة عام من تاريخ تقاعده ليتمكن من جدولة ما يمكنه من التزاماته المادية، مع تفعيل ميزة البطاقة التموينية والتي تضمن للمتقاعد شراء السلع الأساسية من منافذ الاحتياطي العام للدولة بسعر التكلفة. وبلاشك هناك الكثير من الإجراءات التي تنسجم مع ذات الهدف والتي يمكن طرقها وتفعيلها.

الأمر الثاني، لابد لنا من تفعيل أكبر لبسط ثقافة العمل الحر، عبر جملة من الحوافز والضمانات القادرة على خلق مناخ حقيقي وآمن لجذب الشباب العامل أو الباحث عن العمل، فالعمل الحر، والتقاعد الجاذب، هما طوق النجاة لنا في هذه المرحلة المفصلية الدقيقة، لنتجاوز مثالب الترهل والتسيب وجميع بذور وثمار التكديس الوظيفي وكل مظاهر البطالة المقنعة والتي بدأت ترتسم ملامحها بجلاء شديد في كل وحداتنا الحكومية وبلا استثناء.

وبالشكر تدوم النعم

Ali95312606@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك