دمج الجهات المسؤولة عن توفير السكن

عائشة العلوية

جاءت التوجيهات السامية لمولانا حضرة صاحب الجلالة بإنشاء أحياء سكنيّة نموذجيّة للمواطنين بمختلف المحافظات في وقت تعذّر فيه على الشباب الحصول على مسكن مناسب بسبب تحديات ندرة الأراضي، وموجة غلاء وارتفاع تكلفة البناء ودراسة أخرى قدمها مجلس الشورى، وخرجت بمؤشرات مؤكدة لوجود أزمة سكن حقيقية، وبينما تدعم الحكومة برامج خاصة لذوي الدخل المحدود والضمان الاجتماعي فإنّ بنك الإسكان العماني اقتصر دوره على الإقراض فقط، ولم يبادر إلى تقديم حزم جديدة أو أية حلول أخرى لأزمة السكن، ومنها مشاريع بناء الأحياء السكنية.. وفي حوار جمعني بمسؤول كبير ببنك الإسكان العماني حول هذا المحور أشار إلى أن "البنك قدم تجربة ناحجة ببناء عدد من الوحدات بمدينة السلطان قابوس ولم يكررها لأنه لم يحصل على أراض من الحكومة" وهذا العذر ليس كافيا أمام البنك الوحيد في السلطنة الذي تدعمه الحكومة وكان بإمكان البنك أن يستثمر خارج محافظة مسقط حيث وفرة المخططات.

أنّ التوجيهات السامية لن توفر مساكن فحسب بل أيضا ستوفر أراضي، والتوفير هنا بمعنى وفرة المساحات الجاهزه للاستثمار وتنفيذ التوجيهات السامية، حيث إن أحد أسباب أزمة الأراضي هو عدم تعمير الأرض وبناء مسكن وإنما المواطن يقوم ببيع الأرض لأسبابه الخاصة، ويلجأ مرة أخرى للحكومة لتمنحه أخرى أو أنّه يقترض لشراء مسكن جاهز أو شراء أرض بسعر السوق فيدخل في أزمة دين كبير.

في الواقع إنّ أزمة السكن تتداخل مع أزمة الأراضي وهذه الأخيرة أيضًا لها إشكاليّاتها الخاصة فإمّا أنّها لا تتوفر وإن توفرت فإنّها باهظة الثمن وإمّا أنّها متوفرة ولكنّها غير مخدومة بتوفر الطرق المؤدية إليها، والطريق أهم من الماء بتوفر الكهرباء في أكثر من 98% من المخططات، ولا ننسى القول إنّ هناك محافظات تنوء بطلبات الأراضي ولا تستطيع توفيرها خاصة محافظة مسقط التي تتربع على جبل كبير اسمه أزمة توزيع الأراضي؛ لأنّ الطلبات تزيد يوميا، ويزيد على هذه الأزمة وجود ضغط من الرأي العام لحلحلة طلبات الأراضي بإحدى خيارين إمّا بمنح الأرض اليوم وليس غدًا وإما بمنح منزل. وقد لا نبالغ إن قلنا أننا في الحكومة نضع أنفسنا أمام أزمات حقيقية بسبب غياب التنسيق وتعدد المنافذ التي تمنح التمويل السكني على الرغم من أنّ التعدد في حد ذاته إيجابيًا، ولكنّه ينقلب إلى العكس حينما يكون سببا في التبعثر وعدم التركيز إن صح التعبير وغياب ثقافة المظلة الواحدة التي تجمع المتشابه وظيفيا تحت سقف واحد.

إنّ هذا المقال يضع أمام القارئ الكريم ومتخذي القرار جملة من التحديات التي تواجه مشكلة الإسكان وتوفير السكن على مستوى التنسيق بين الجهات المسؤولة عن هذا الأمر.

فمع عدم وجود دراسة أو استراتيجية واضحة للإسكان أمام أصحاب القرار والجهات المسؤولة تتيح لكل الأطراف المسؤولة (الجهات المالية أو التمويلية والجهات التنفيذية) فنحن بحاجة إلى تقريب كل الجهات الحكومية الممولة وتجميعها تحت مظلة واحدة وكيان هيكلي واحد، من خلال العمل على إيجاد صيغة تنظيم هيكلي أو نظام إسكاني يدمج (بنك الإسكان وبرامج الإسكان الاجتماعي الحكومية وأي جهة من الجهات الحكومية التي تمنح قروضا إسكانية لمنتسبيها) تحت مظلة واحدة أو أن يكون التنظيم الهيكلي يصنع السياسات العامة واللازمة وتحديد الأولويات السكانية وصياغة تشريع أو قوانين موحدة لما للسكن من أهمية في استقرار المجتمع في النواحي الأمنية والاجتماعية وفق آلية وإجراءات عمل موحدة.

إنّ التخطيط أو دراسة العمل على إيجاد هذه الصيغة ستترتب عليه العديد من الإيجابيات:-

أولاً: المرونة الكبيرة التي ستكون متاحة أمام المواطن ستخيّره بين الاستفادة من مجموعة من النظم المتواجدة تحت مظلة واحدة حيث مميزات كل نظام تكمل الميزة في النظام الآخر.

ثانياً: توحيد الإجراءات ووجود صناع القرار على مستوى كل نظام تحت مظلة واحدة سيعمل على تقريب وجهات النظر ومتابعة ومعرفة التحديات الإسكانية وإيجاد الحلول لها عبر تطوير البرامج التي ستتميز بأنّها مكملة لبعضها الآخر، ففي حين سيتم خدمة الشرائح المتوسطة ودون المتوسطة من خلال البرامج الحكومية المدعومة فإنّ توفير السكن لفئة الشباب ستتكفل به برامج أخرى تتواجد في ذات التنظيم الهيكلي.

ثالثاً: ستحد هذه الصيغة الهيكلية المدمجة من تبعثر الجهود وهو ما يحصل حالياً، ونعني بها جهود الحكومة التي تسعى إلى رصد الموازنات لحل أزمة السكن، وهي أزمة تفرضها الصيغة الحالية التي تتبنى بها الحكومة منهجيّة توفير السكن بتحديد ورصد الموازنات بشكل يكاد يكون أقرب إلى الارتجالية غير المدروسة لعدم توفّر أرقام حقيقيّة آنية أو مستقبليّة للعدد أو الاحتياج الفعلي للمساكن.

رابعاً: إنّ هذا التنظيم الهيكلي سيكون كفيلا بوضع الخطط على أسس مدروسة مستفيداً من البيانات التي ستوفرها الجهات الإحصائيّة أو الدراسات التي ستقوم بها بنفسها من خلال كوادرها المتخصصة.

خامساً: وجود قانون شبه موحد أو متكامل وله شروط متقاربة وليست متضادة كما هو الحال الآن فعلى سبيل المثال بنك الإسكان العماني يحتسب الدخل أو الراتب عند تقديم الطلب مهما طالت فترة انتظار الدور كما لا يقبل الطلبات التي على أصحابها مديونيات بنكية، في حين أنّ وزارة الإسكان لا تلتفت على القروض التجارية أو النظر إلى الراتب هل هو ضمن السقف أم أعلى كما تلاحظ لنا من خلال واقع العمل أنّ الكثير من المواطنين يجهلون أنّ الاستفادة بقرض إسكاني تحرمهم من تكرار حصولهم على مساعدة من الحكومة، فيقومون ببيع منازلهم على اعتبار أنّ لهم طلبات تنتظر الدور لدى وزارة الإسكان، كما أنّ وزارة الدفاع مرنة في القروض الإسكانية لدرجة أنّها توافق على رهن مسكن متداع وغير صالح ولا تشدد على الصلاحية وهلم جر من الملاحظات.

في الختام لا ننسى القول إنّ المشكلة الإسكانية هي مواطن يبحث عن استقرار ودولة تخطط وتعد لبرامج واستراتيجيّات اقتصادية واجتماعية من بينها السكن وذلك لتحقيق الاستقرار في الجانبين الاجتماعي والأمني والسياسي، وهي بحق تحد يتطلب وضع قوانين مرنة وليست متشددة وإجراءات سهلة وليست معقدة ونظام موّحد وليس مجموعة أنظمة والحل هو دمج الجهات المسؤولة حاليًا تحت مظلة واحدة.

تعليق عبر الفيس بوك