الوحدة الوطنية ومواجهة الفتن وأخواتها

عبد الله العليان

قبل أيَّام قلائل تحدَّث بعضُ الكتاب -سواء في بعض المقالات، أو في منتديات "فيسبوك"- عن محاولات البعض من خارج البلاد، نشر الأكاذيب والوقائع المضللة؛ بهدف زعزعة السلام الاجتماعي، والتسويغ للخلاف المذهبي، بأقوال ومعلومات كاذبة، هدفها -كما هو معروف- نشر الفتن، وإثارة الخلاف في المجتمع لغرض في نفس يعقوب كما يقول المثل! ولا شك أن الوطنية ركيزة أساسية من ركائز مقومات هذا الوطن، ومُسلَّمة من مُسلَّمات تطوره وتقدمه، ودليل على السلام الاجتماعي الذي ارتبط بالوطن العُماني منذ أقدم العصور، وهذا في حدِّ ذاته يبرز قيمة الانتماء الوطني، ويجعلها هدفاً يعمل الجميع على تحقيقه والمحافظة عليه؛ فالوحدة الوطنية هي من مسلمات هذا الوطن، وعلينا التمسك بهذه الوحدة الراسخة التي عرف عنها التسامح والوئام، وعدم قبول التعصب والغلو والتسويغ للفتن والاختلاف المذموم.

وقبل فترة، سُئلت من أحد الصحفيين من مؤسسة صحفية خليجية مهاجرة، عن الوضع المذهبي في عُمان؛ باعتباري عُمانيًّا أنتمي إلى المدرسة المذهبية السنية، واستغربتُ من هذا السؤال وتوقيته؛ ذلك أن أننا في عُمان لا نعرف المشاكل المذهبية كما تجري في بلاد عديدة بحمد الله، ولا ندري في أحيان كثيرة من هو الإباضي ومن السني في بلادنا؛ بسبب تداخل وتشابك وضعنا الاجتماعي، والتٍأسيس الرائع الذي وضعته قيادتنا الحكيمة لمسألة التعدد والتنوع وفق مبدأ المواطنة؛ حيث إننا نصلِّي مع بعض في كل الصلوات، بل إنني قلت لهذا الصحفي، إنَّ بالعاصمة مسقط أحد المساجد الكبيرة في منطقة روي التجارية المعروفة، إمامه وخطيبه من المدرسة الإباضية، وأغلب المصلين من المذهب السني، وفي مدينة الخوير بمسقط يوجد مسجد إمامه وخطيبه يوم الجمعة من المذهب السني، وأغلب المصلين من المدرسة الفقهية الإباضية، وهذا يدلُّ على أننا في عُمان لا نعرف الاختلاف المذهبي الذي يضع الاختلافات الجزئية في مقام الأمور القطعية، على اعتبار المذاهب مدارس فقهية، بفضل اجتهادات العلماء، وجهودهم في الفقه والتشريع، وفي ضوء القرآن والسنة.. صحيح أنَّ في كلِّ مذهب من المذهب الإسلامية، تجد به أناسًا يغالون في القضايا الفرعية، ويركزون على الخلاف، ويتعصَّبون في مسائل الفروع، والبعضُ يرى مذهبه هو الحق دون سواه بالمقارنة بالمدارس الفقهية الأخرى، وهذا لا يمكن نكران وجوده، لكن على الجميع أن يتحلى بحكمة الإسلام، وما جاء في القرآن الكريم من أن الاختلاف بين الناس -ومنها المذاهب- سنة كونية، بل إنَّ الاختلافَ يحصل حتى في المذهب الواحد! وهذا ليس خافيا، ومن هنا على الأمة أن تدرك مخاطر التوترات المذهبية، التي يحاول البعض أن يحول كل الخلافات السياسية إلى خلافات مذهبية، وهذا هو الخطر الذي يهدِّد وحدة الأمة وتماسكها واستقرارها. ولا شك أن المؤسسات المجتمعية تلعب دوراً إيجابياً في ترسيخ قيم الدين والتنوير القويم، وسيادة الثقافة المدنية التي تعتمد على أسس قبول الآخر المختلف في الرأي، وإشاعة قيم التسامح والتعاون والتواصل الحضاري، وإقرار التعددية والتنوع داخل الوطن الواحد بما تطرحه من آراء وأفكار تتمثل في ترسيخ فكرة الوئام المدني، والقدرة على حلِّ الخلافات بالطرق الشوروية والديمقراطية، والتعايش بين وحدات المجتمع بما تطرحه هذه المؤسسات من أفكار وآراء وقيم تتصل ببث القيم النافعة والنبيلة قوامها التآلف والتكاتف والتعاون وإشاعة المحبة والتسامح وروح الألفة بين الجميع؛ من خلال الندوات والمحاضرات والمناقشات والمؤتمرات التي تقيمها في المجتمع، بين الحين والآخر. ونحن في سلطنة عُمان على الرغم من أن مُؤسَّسات المجتمع المدني حديثة النشأة، إلا أن لعُمان تاريخاً راسخاً منذ قرون في التسامح والتواصل والتعاون داخل وخارج عُمان، كما أن للمدرسة دوراً مهمًّا وكبيراً في غرس قيمة التسامح والألفة والتآلف من خلال قيم الدين الحنيف ومبادئه السمحة، التي تدعو إلى التسامح والرحمة...وغيرها من قيم هذا الدين القويم، كالصدق والأمانة والعدل والتسامح والسلام، والتعاون والوفاء والانتماء والولاء للوطن، وحب العمل والإخلاص والحوار ونبذ التطرف والغلو، واحترام الآخر المختلف...وغيرها من القيم العظيمة التي يُؤكد عليها ديننا الإسلامي، وينبغي من المناهج أن تقدم المعارف والمعلومات؛ ومنها ما يتعلق بالحقوق والواجبات، وغرس قيم التسامح والتعاون، وإشاعة قيم الخير والسلام في المجتمع، والتعاون الإيجابي، ومجموعة القيم الوطنية التي تضفي على تربية المواطنة والتسامح روحها الوثابة ووقودها المستمر، وهذه القيم في الولاء والمحبة للوطن، والالتزام بقيم الحوار والتشاور والتعايش مع الآخرين وتحقيق الوحدة الوطنية والقيم العليا للوطن، ولها دور إيجابي في ترسيخ قيم التسامح من خلال تشجيع الطالب على الحوار وطرح الأسئلة، وإعطاء الفرصة للتلاميذ على إبداء الرأي بعيداً عن التعصب والفكر الضيق الذي لا يقبل الاختلاف. ومن هذا المنطلق، تأتي أهمية تقدير فضيلة التسامح عند الطلاب، وأنها تنطلق من قيم هذا الدين، ويتمُّ سرد المواقف والآيات والأحاديث في نظرة الإسلام للتسامح. وعلى المعلم -سواء داخل قاعة الدرس، أو من خلال المناشط المختلفة- أن يكون حريصاً على غرس وإشاعة قيم التسامح كما أقرتها تعاليم ديننا، وتعريف المعلم بدوره في هذا المضمار، ووعي المعلم بما يقوله للطلاب، وتشجيع التلاميذ على ممارسة التفاعل الاجتماعي الحضاري داخل الفصل؛ من خلال استخدام عبارات الاعتراف بالجميل والخطأ، واحترام شعور وحقوق الآخرين، وإبراز الثقة بالنفس والكرامة الشخصية، والاهتمام بقيمة التسامح باعتبارها فضيلة دينية وإنسانية، والتأكيد على التفاعل الهادف الذي يشيع قيم التفاهم والتعاون والتسامح والاعتراف بالآخر وقيم التعدد والتنوع داخل الوطن الواحد.

وفي هذا الفضاء المفتوح وثورة المعلومات الكبيرة، ثمَّة مخاطر من نشر الفتن، وإشعال الخلافات وإثارة التعصب، كما جاء في المقطع الذي نشر على "يوتوب" قبل فترة، والذي يشيع -كذبًا- التصدع والخلاف المذهبي في المجتمع العماني، وهذا يحتاج إلى وعي بهذه الأقاويل التي لا تريد الخير لهذا البلد الآمن المستقر، والذي عرف تاريخه بالوئام والسلام، والتعايش بما أراده ديننا الحنيف من الأمة الواحدة، وعندما جاء الإسلام وبدأت دعوته في الانتشار كانت فكرة التسامح قضية محورية في هذا الدين القويم، ويجب ألا نستهين بفكر الغلو الذي ينزع إلى نشر الفتن وإثارة الخلاف في البلد الواحد؛ ذلك أن الغلو يهدف إلى تقويض السلام الاجتماعي، وهذا الغلو، يقود إلى التطرف، والتطرف إلى التكفير، والتكفير يقود إلى استباحة الدماء، تحت اليافطة الدينية والعياذ بالله، ومن المهم ألا نغفل الأفكار المتطرفة من كل المدارس الفقهية، وأن نسعى لخلق الوعي بمخاطر الغلو والتطرف الفكري، خاصة وأنَّ الفضاء المفتوح عبر التواصل الاجتماعي يموج بالكثير من الأفكار والآراء التي تريد الفتن وإثارة النعرات المذهبية والطائفية. والذي نخافه من هذا "التواصل الاجتماعي"، هو أنَّ أغلب مُرتاديه من جيل الشباب الذي لا يتجاوز العشرينات؛ لذلك من المهم أن نعقد حوارات ولقاءات للتنبيه والتذكير بأهمية تحصين الوطن، أو ما يسميه البعض مجازا بـ(الأمن الثقافي والفكري)؛ عبر التوعية بما تبثه بعض الأقلام وبعض المغردين عبر التواصل؛ وذلك لحماية هذا الجيل وما تليه من أجيال من التضليل الذي بات يفتك بكل شيء من حولنا، حيث يروِّج للكذب والفتن، وكأنها حقائق ناصعة، وهى لا تمت للحقيقة بصلة أبدا، لكنها تريد أن تغرس الأمراض الفكرية المتطرفة التي اكتوت بها مجتمعاتهم، ونقلها، لعلَّ وعسى أن تنجح في ذلك!

اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد...!

تعليق عبر الفيس بوك