السيناريست والمخرج.. النافذة المفقودة

هيثم سليمان *

يكاد لا يخلو العمل الفني -الذي تكون سمته العمل الثنائي أو الجماعي- من بعض الصدام ونقاط التعارض بين مختلف أطراف العمل نفسه. وفي حقيقة الأمر, هذا النوع من الاختلاف أو التعارض يخلق بيئة صحية من التفاعل المبني على الشد والجذب، واللذين بدورهما يمكن أن يساهما في تطوير العمل ودفعه إلى الأمام. ولكن يصادف أن تكون عملية الدفع هذه وبالا مدمرا على العمل وطاقم العمل بأكمله، عندما تغيب المهنية وأساسيات التعامل البناء عن محاور العملية في إحدى مراحلها أو برمتها.

وعندما ندخل في صلب صناعة الفيلم السينمائي، ولكون الفن السابع في المقام الأول والأخير قالبا للعمل الجماعي المشترك, فإننا لابد أن نتصادف في أحيان كثيرة بذلك الصراع الحميد بين كاتب السيناريو وبين مخرج الفيلم. وعندما أقول صراعا هنا أعني اختلاف الرؤى بين المخرج وكاتب النص. حيث يحدث كثيرا أن تكون للسيناريست رؤيته الخاصة للفيلم. تلك الرؤية المبنية على تخيله لكثير من متعلقات الفيلم المستوردة من النص مباشرة كالأحداث والأماكن وطرق تداول الحوار وغيرها.. ويكاد أغلب كتاب السيناريو في العالم يفضلون أن يُخرج الفيلم مثلما تتخيله أدمغتهم تماما ويعتبرون الانتقاص من تلك المتعلقات عمل لا يستساغ أبدا بل ويتعدى حقوق ملكيتهم الفكرية. إنها مسألة خوف الصانع على عمل يده أو الأب على ابنته الفكرة أو النص الذي أنتج. ذلك النوع من الخوف الذي يجعله على حاجز الدفاع والاستماتة فيه حينما يشعر أن شيئا ما لا يجري حسبما توقع أو تخيل.

وفي الناحية الأخرى, نجد المخرج يتعامل مع النص من زاوية الرؤية الإخراجية. تلك الرؤية التي قد لا يستطيع كاتب السيناريو الغير متخصص في الإخراج من رؤيتها. ويحدث كثيرا أن يتطور حرص المخرج على رؤيته الإخراجية إلى حدود الشغف والتتيُّم بالنص مع ربطه بتلك الرؤية فيسبغ عليه الكثير من المتعلقات التي قد لا تنتمي إلى النص مع وجود النية الحسنة ألا وهي إخراج العمل بالشكل الأفضل. يصعب أحيانا أن تتوافق رؤية الكاتب مع رؤية المخرج، ولكن الخطأ في اعتقادي يبدأ من هنا. لا يفترض أن تكون هنالك عملية بحث محمومة عن توافق رؤية المخرج مع رؤية الكاتب، فكلا الرؤيتين مختلفتان فنيا وتخصصيا حتى وإن كان أحدهما على خلفية مسبقة بعمل الآخر.

فعين الكاتب هي عين المشاهد، بينما عين المخرج هي عين الكاميرا، وليس كل ما يراه الكاتب بعينه في الفيلم يستطيع المخرج أن يوجده في الفيلم ذاته. ومن هذا المنطلق, يفترض أن تكمل الرؤيتان بعضهما البعض وليس بالضرورة أن تتفقا. قد أضع طوبة حمراء اللون بجانب طوبة زرقاء اللون وأنا ابني جدار منزلي. كلاهما يختلف عن الآخر عندما أحدق فيهما لوحدهما وسأقول إنهما مُتنافرتان، لكن عندما ينتهي الجدار وتتضح جمالية البناء الملون، سأدرك حينها أن الصورة العامة أشمل وأجمل من التدقيق في جواهر الاختلاف بين الطوبتين. وهكذا ينبغي أن يكون مسار العمل بين المخرج والكاتب, كلا العنصرين يكملان بعضهما ليخرجا بالفيلم بنظرته الشمولية المبهرة دون التوقف كثيرا إلى اختلاف الرؤى وجعلها المعوق الذي يقيد تقدم الاشتغال في الفيلم وهذه مشكلة يعاني منها العالم السينمائي أجمع في كل مكان وزمان.

وأعود وأقول: "لكن" ينبغي أن يتواجد نوع من التفهم والتقبل والتعاطي القائم على المهنية والإنسانية معا بين كاتب الفيلم ومخرجه. نحن نعلم أننا وفي تجارب كثيرة محكومون بأطر وقوانين التعاقدات التجارية بين أطراف صناعة الفيلم ولكن ينبغي أن توجد نافذة ما تتسع للجميع ليرى من خلالها العمل كله.

* سيناريست سينمائي وتليفزيوني

Careless7@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك