الأزهر يوقف برنامج إسلام بحيري

صالح البلوشي

بعد جدل استمر لعدة أسابيع؛ خضعت إدارة قناة "القاهرة والناس" الفضائية المصرية لتهديدات الأزهر الشريف، وقامت بوقف برنامج "مع إسلام بحيري"، الذي يقدمه الباحث المصري إسلام بحيري، الذي أثارت أطروحاته وأفكاره في البرنامج جدلا واسعا في مصر وخارجها طوال الأشهر الماضية.

القضية بدأت عندما نشرت مشيخة الأزهر الشريف بيانا رفضت فيه أفكار البحيري، وقالت: إن الهدف من موقفها هو بيان واجبها المتمثل في "الحفاظ على الدين الإسلامي" من أفكار "التشكيك والتشويه"، وعدم السماح بأن ينال أحدهم من صورة الإسلام، أو أن "يعبث بعقول الشباب". وما دعاها إلى إيقاف البرنامج هو ما يمثله من "خطورة في تعمده تشكيك الناس فيما هو معلوم من الدين بالضرورة، بالإضافة إلى تعمُّقه في منُاقضة السَّلم المجتمعي، ومُناهضة الأمن الفكري والإنساني، مما يجعل البرنامج يمثل تحريضاً ظاهراً على إثارة الفتنة وتشويها للدين، ومساسا بثوابت الأمَّة والأوطان وتعريض فكر شباب الأمة للتضليل والانحراف". والأخطر في بيان الأزهر: هو تأكيده أنه "هو المرجع الوحيد في الشؤون الإسلامية وفقاً للدستور، وهو الهيئة العلمية الإسلامية التي تقوم على حِفظ التراث الإسلامي ودراسته وتجليته للناس كافَّة، وتحمُّل أمانة توصيل الرسالة الإسلامية إلى كل شُعوب المعمورة، وتعمل على إظهار حقيقة الإسلام السَّمحة".

بيان الأزهر حمل كثيرًا من الأفكار الخطيرة التي تُعدّ دعوة إلى محاربة وإقصاء كل فكر أو رأي يتعارض مع قراءة الأزهر للإسلام، مما يشكل دعوة إلى كهنوتية جديدة تشبه الكهنوتية المسيحية التي كانت سائدة في أوروبا قبل انبثاق عصر التنوير هناك. فعندما يُعلن الأزهر في بيان رسمي أنه لا يحق لأحد خارج مؤسسة الأزهر التحدث أو إبداء رأي في القضايا التي تتعلق بالإسلام من فقه أو حديث أو تاريخ، فإن ذلك يعني حصر الحديث عن ذلك إلى علماء الأزهر فقط، ومنع كل كاتب أو باحث أو مفكر خارج هذه المؤسسة الكتابة في ذلك. مما يعني ذلك وصاية أزهرية على العقول والأفكار، التي لن تنال "الشرعية" إلا بعد الحصول على "بركة" علماء الأزهر. وهذا التأكيد على الوصاية على الأفكار ليس جديدا على الأزهر، فهو يمارس ذلك فعليا منذ عقود طويلة، فتحت هذا العنوان الكهنوتي العريض- قامت هذه المؤسسة الدينية طول العقود الماضية بمحاربة كل فكر حر حاول تقديم قراءة معاصرة ومستنيرة للإسلام، فقد حاربت المفكر والأديب طه حسين في كتابه: "في الشعر الجاهلي"، وحاربت أيضا كتاب: "المرأة في الإسلام" لنبيل فهمي، وكتاب "امرأتنا في الشريعة والمجتمع " للمفكر التونسي الطاهر الحداد، وغيرهم. بل إن سيف هذه المؤسسة الدينية طال حتى علماء من الأزهر نفسه، فقد حاربت أفكار شيخ الأزهر الأسبق محمد عبده "التجديدية"، وصدرت ضده عدة ردود ربما أشهرها كتاب: "بلايا بوزا" للشيخ محمد الجنيبهي، كما تبرأت من العالم الأزهري على عبد الرازق بعد تأليفه كتاب "الإسلام وأصول الحكم"، الذي تعرض لهجمة شرسة من هذه المؤسسة أدت إلى فصله منها وتجريده من لقبه العلمي، ولا ننسى أيضا العالم الأزهري محمود أبو ريه بعد تأليفه كتاب "أضواء على السنة المحمدية،"، والشيخ جمال البنا، وآخرون أيضا. وهذا يثبت أن الأزهر لا يحارب فقط أصحاب الأقلام الحرة من خارج الأزهر، وإنما من داخل هذه المؤسسة أيضا.

وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع الباحث الإسلامي إسلام بحيري في بعض القضايا التي طرحها في برنامجه التلفزيوني الشهير "مع إسلام بحيري"، فالرجل حسب متابعتي له لم ينكر "معلوما من الدين بالضرورة" حسب بيان الأزهر، ولم ينكر التوحيد أو النبوة أو العبادات، وإنما أغلب ما طرحه من قضايا تتعلق بالتاريخ، ودعوته إلى تنقيته من الروايات المدسوسة التي ما تزال تسيء إلى الإسلام وتشوه جوهر هذا الدين، وتنقية كتب الفقه والحديث من الروايات التي تخالف العقل والمنطق. فهو يرى إن الجماعات الإسلامية المتطرفة كداعش وأخواتها تستغل بعض ما ورد في التراث الإسلامي من روايات وفتاوى لتبرير الجرائم التي ترتكبها في سورية والعراق، كما حدث في حادثة حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبه، وهذا هو الفرق بين قراءة إسلام بحيري الذي يحاول قراءة الإسلام بفهم عصري ومتحرر ومستنير، والفهم الحرفي الضيق الذي يمارسه بعض الذي انتقدوا أطروحات البحيري، ويمارسون الوصاية على العقول والأفكار باسم الدين.

ومن المُلاحظ، أن بعض فتاوى التكفير، والمقالات والكلمات التي صدرت عن بعض "الدعاة" ردا على البحيري كانت تصطدم تماما مع الأخلاق فضلا عن آداب الحوار، فقد وصفه الداعية "الإسلامي" وجدي غنيم: "بالصرصار، والنجس، والمرتد، والكافر، والسافل"، وغيرها من الأوصاف التي لا تليق أن تصدر من رجل يعمل في "الدعوة الإسلامية"، وكأنه لم يقرأ الآيات القرآنية التي تدعو إلى مخاطبة الناس بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن. ومن التصريحات القوية التي صدرت بحق بحيري ما قاله الأديب والمفكر المصري يوسف زيدان في قناة "القاهرة والناس" حيث وصفه بـ "التافه" الذي "لا يعرف تاريخ الحديث أو أصوله". وإذا كنا نعذر أمثال وجدي غنيم الذي يُعرف بوقاحة اللسان وإطلاق الأحكام الجزافية على كل من يخالفه في الرأي وغيره من الذين كفروا البحيري واتهموه بالردة، فلا نستطيع أن نجد أي عذر لزيدان الذي يقدم نفسه بالمفكر الحر وصاحب الفكر النقدي المستنير، ولا نجد أي عذر أيضا لقناة "القاهرة والناس" التي لم توفق بخضوعها للأزهر البرنامج فقط، وإنما أوقفت بهذا الفعل حرية التعبير في القناة أيضا.

تعليق عبر الفيس بوك