هروب المستثمرين

فايزة سويلم الكلبانية

الحالة الأولى

لا أحد ينكر ما تمتلكه السلطنة من مجموعة متكاملة من مقوّمات جذب الاستثمار الأجنبي، ومن أبرز هذه المقومات الاستقرار السياسي والاجتماعي، وتوفر جملة من عوامل الإنتاج تتمثل في تواجد عدد من المناطق الصناعية المجهزة بكافة الخدمات والتسهيلات اللازمة، إضافة لموقعها الاستراتيجي المطل على ممرات بحرية دولية وإقليمية، في ظل وجود عدد من موانئ التصدير. إضافة إلى أنّ السلطنة تتبع سياسة الاقتصاد الحر وتقوم بسن القوانين والتشريعات وتقوم بتحديثها لإرساء ودعم هذا التوجه الاقتصادي المفتوح على كافة دول العالم، وليست هناك أيّة أعباء جمركيّة أو قيود على القيام بالأعمال أو إجراء المعاملات والتحويلات المالية إلى الخارج فضلا عن سن بعض القوانين والتشريعات لتوفير الحوافز والتسهيلات التي من شأنها رفع معدلات ربحية المشروعات التي تقام فيها.

الحالة الثانية

تنتابني الدهشة عندما أطيل التفكير والتأمل حول أسباب قلة وجود الاستثمارات والمستثمرين في السلطنة سواء كانوا مستثمرين عمانيين من أبناء البلد أو مستثمرين وشركاء أجانب، وما يزيد دهشتي في هذا الأمر تلك الحلقة المفقودة في حل القضية التي تعنى بأسباب هروب المستثمرين والاستثمارات، ولاسيما وأننا في مرحلة تتطلب تنويع مصادر الدخل، والترويج لجذب الاستثمارات والمستثمرين في ظل ما تمر به السلطنة وغيرها من دول العالم من ظروف حتّمها انخفاض أسعار النفط وما يترتب على ذلك من آثار مستقبليّة سنعيشها إذا لم نتدارك هذه الأزمات، وإيجاد الحلول المناسبة لها قبل فوات الآوان، ولذا فإنّ المسؤولية برأيي مشتركة بين "الحكومة، والمستثمرين، وأصحاب القرار".

الحالة الثالثة

لو نظرنا للمسؤولين وأصحاب القرار نجدهم يعلمون فيما بينهم أنّ أبرز أسباب قلة دخول المستثمرين ومغامرتهم تدور حول تعقيد الجهات الحكومية للإجراءات، وطول الفترة الزمنية التي يتطلبها كل مشروع لحين إنجاز وتخليص معاملاته، إلى جانب أنّ البعض منهم يواجه تحديا آخر يتمثل في انتظار الموافقات الأمنية والتي لا نبالغ إذا ما قلنا إنّها قد تمتد من الصيف إلى الشتاء، وعدم توفير مأذونيات حسب ماهو مطلوب، بالإضافة إلى أنّ البعض يشتكي من عدم وجود تنسيق بين الجهات المعنية بهذا الشأن، حيث لا توجد قاعدة بيانات مرتبطة بين القوى العاملة ووزارة التجارة والشرطة والبلديات وغيرها من الجهات المرتبطة بمثل هكذا إجراءات، بالرغم من مناداة عدد من الجهات الحكوميّة بتنفيذ مشروع "المحطة الواحدة" إلا أنّ البعض لا زال يؤكد عدم فاعلية هذا المشروع والذي لا يزال في حاجة إلى المزيد من الجدية والسرعة في الإنجاز وتنظيم آلية العمل للوصول للغاية المنشودة؛ وذلك وفقا لما لمسناه من حديث بعض المستثمرين الذين اعتبروا أنّ الاستثمار في السلطنة أصبح عبارة عن "معاناة" مما يترتب عليه هروب المستثمرين من الاستثمار في السلطنة، نظرًا لما يواجهونه من التعقيدات والروتين البطيء، والاحتكار القاتل، والبيئة الاستثمارية الغامضة، إلى جانب أسعار الإيجارات المبالغ فيها، والتي تنفّر المستثمرين وتدفعهم إلى التوجه نحو دول أخرى أو تقتل بداخلهم الرغبة الملحة لدخول عالم الاستثمار فيصاب بعضهم بالإحباط واليأس، وقلة هم الصامدون أمام جبروت الإجراءات وروتين المعاملات.

الحالة الرابعة

أعجب من حال أصحاب القرار في بلادي تارة، عندما نجد أن أصحاب القرار على دراية واطلاع تام بما يتطلبه الاستثمار والمستثمرين في السلطنة من تسهيلات في الإجراءات، والحل في أيديهم للإسراع باتخاذ اللازم من تدابير. ولكن نجد صاحب القرار نفسه يتساءل أين يكمن الحل لهذه الأزمة.. ومن المسؤول عن ذلك؟!

فإذا كان صاحب القرار والذي من المفترض أن يلعب دورًا محوريًا وأساسيًا في حل هذه الأزمة يتساءل عن المسؤول؛ فما هو رد المستثمر إذن؟! هنا تكمن الحلقة المفقودة والأضعف والتي لابد من مراجعتها للخروج من هذا النفق المظلم، لنرتقي باستثمارات بلادنا.


الحالة الخامسة

في المقابل يتحمل "المستثمر جزءًا من المسؤولية في حل هذه القضيّة ولا يقع اللوم على عاتق "الحكومة" و "أصحاب القرار" فقط، وإنما يتعدى ذلك لأن يعمل المستثمر جاهدًا على تنفيذ ما تنص عليه هذه الإجراءات لتفادي التحديات والتأخير، فالإجراءات وضعت أيضا لأهداف وغايات منشودة وهمّها مصلحة الوطن والموطن قبل كل شيء، فقوانين الاستثمار الأجنبية وغيرها بالطبع لا تنص على أن يكون الاستثمار في السلطنة أجنبيا 100% مثلما يحدث في دول الجوار، ولا زلنا نترقب صدور تعديلات هذا القرار، إلى جانب أن قانون العمل العماني هو الآخر لا ينص على أنّه من الضروري أن تكون الأيدي العاملة الوطنية بنسبة 100%، بالإضافة إلى ما ينصّهقانون الأراضي العمانية وإيجاراتها، ولا ننسى الضرائب، والقوانين الخاصة بالتلوّث البيئي، والتي يشتكي منها المستثمرون بالمصانع والشركات مواكبة مع مطالبات الأهالي.

faiza@alroya.info

تعليق عبر الفيس بوك