أنتِ أيتها المرأةُ (1-2)

عبدالله الحجي

اقتضت الإرادة الإلهية خلق البشر من ذكر وأنثى؛ لحكمة أرادها ربنا، إذ النسل البشري لا يمكن أن يكتب له الاستمرارية والدوام بدونهما، وأودع في كل صنف من الخصائص والأسرار ما ينماز به كل عن الآخر (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى)، ففطر الرجل على صفات تليق بشأن الرجولة، وفطر المرأة على صفات تليق بشأن الأنوثة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍوَأُنثَى). واعتنى الإسلام بالمرأة اعتناء بالغا، فأكثر الله من ذكرها في كتابه، وفصَّل أحكامها التي تتعلق بها، فقد أنزل سورة من طوال السور باسم" النساء"، دليلا على الحظوة البالغة التي تلقتها المرأة في الإسلام، وجاءت السنة النبوية رديفة للقرآن الكريم في ذلك، فما أكثر الأحاديث التي اعتنت بشأن المرأة، وحثت على إكرامها، والإحسان إليها، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :"استوصوا بالنساء خيرا"، وقال - صلى الله عليه وسلم -:"خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"؛ ولذا نالت المرأة في ظل الإسلام كرامتها وحقوقها، وحفظ لها شرفها ودينها، فلا داعي من تلك الصيحات الهدامة التي تنعق بحقوق المرأة.

الأمُ مدرسةٌ إذا أعددتها*** أعددتَ شعبا طيبَ الأعراقِ

الأمُ أستاذُ الأساتذةِ الألى *** شغلت مآثرَهم مدى الآفاقِ

الأمُ روضٌ إن تعهده الحيا*** بالري أورقَ أيما إيراقِ

اعلمي أيتها المرأة المسلمة، أنّ الله - تعالى - خلقك لمسؤولية لا يقوم بها غيرك، فأنت حاضنة الأجيال، ومربية الرجال، عليك المعتمد في التربية، فكوني جديرة بهذه المهمة العظيمة، ولهذا يجب على المرأة المسلمة أن تتمسك بدينها وأخلاقها؛ لترضع أبناءها استقامتها ودينها وأخلاقها، فصلاح الفرع من صلاح الأصل، فإن كانت المرأة صالحة كانت الذرية صالحة، وإن كانت المرأة غير عابئة بدينها وأخلاقها، أتت الذرية على وفق ما عُوِّدوا عليه، ولتعلم أن الأبناء أمانة سوف تُسأل عنهم أمام الله تعالى إن هي فرطت في حقهم وتربيتهم.

فكيف تظن بالأطفال خيرا *** إذا نشأوا بحضن الغافلات

وحث ديننا الحنيف المرأة المسلمة على الستر والعفاف، وألا تبدي زينتها إلا لمن يجوز لها أن تبديها عنده، وأمرها بالحجاب، وتمام الستر؛ حفاظا عليها، وصونا لعفتها، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ)، وقال ربنا: (وَلْيَضْرِبْن بخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) أي: وليلقين، ويسدلن أغطية رؤوسهن على صدورهن وما حولها، وقال نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - :" يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرى منها إلا هذا، وأشار إلى وجهه وكفيه".

وإن من دواعي الأسف والتحسر أن تقلد المرأة المسلمة النساء الكافرات اللاتي لم يقمن للدين والأخلاق وزنا، فهن لا يلقين بالا لأمر الآخرة، فلا يرتجين جنة، ولا يخافنَّ نارا، فتقلدهن بعض المسلمات في تصرفاتهن وملابسهن، وحركاتهن، خرجن إلى الأسواق وحدهن كأنه لا محارم لهن، حيث الاختلاط المريب، والرجال بين غادٍ ورائح، والمرأة مأمورة بغض بصرها عن الرجال كما أمر الرجل بغض بصره عن النساء، قال تعالى (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ)، ولا يخرجن وهن على أسوأ حال من فوحان العطر، وبهاء الزينة، وعدم الرزانة في المشية والحديث وغيرها مما أحدثته طائفة من النساء في هذا العصر، فبدأت بنزع الحجاب رويدا رويدا، واستعملت الأصباغ، فلطخت بها وجهها، وخالطت الرجال، وانعدم حياؤها؛ فأصبحت لا تبالي، تكلم هذا، وتضحك مع ذاك، وتختلي بهذا، وتسير مع ذاك، وكل ذلك من العصيان الذي تستحق صاحبته الوزر والإثم، ومؤشر على تدني أخلاق أمثال هؤلاء النساء اللاتي يدعين أنهن مسلمات، والإسلام بريء من أفعالهن الشنيعة، وتصرفاتهن المشينة التي يأباها ديننا الحنيف والفطرة السليمة، وسيلقين جزاء أفعالهن، فما الله بغافل عنهن.

تعليق عبر الفيس بوك