نحو استعادة التماسك الاجتماعي

جعفر الشايب

مع هبوب رياح التغيير التي تسود المنطقة العربية، حاملة في طياتها مدا طائفيا عنيفا، استخدم كأداة فعالة بين مختلف الأطراف المتصارعة، فقد أثر ذلك على المجتمعات بصورة واضحة وفكك حالة التماسك الاجتماعي القائم في دول المنطقة، بحيث أصبحت ضعيفة وهشة.

ومع مرور الوقت، فإنّ الصراع الذي بدأ سياسيًا وانتهى اجتماعيًا لا شك أنه سيترك خلفه آثارا من التصدعات الخطيرة في النسيج الاجتماعي، بصورة تجعل منها مدخلاً لتفكك المجتمع، وانهيار مقومات تماسكه وقوته.

من هنا فإنّ البحث عن سُبل استعادة حالة تماسك المجتمع ووحدته، والبحث حول إعادة بناء العلاقات البينية فيه على أساس سليم وقوي يعتبر واجبا وطنيا ينبغي وضعه من قبل صناع القرار ومختلف القوى الاجتماعية كأولوية في مشاريع البناء.

ضمن من اهتم بهذا الموضوع الباحث المصري سامح فوزي، الذي كتب دراسات تفصيلية حوله. فقد جاء في دراسة له تحت عنوان "التماسك المجتمعي: الأسس والإشكالات" أن المجتمعات المتماسكة هي تلك المجتمعات التي يحتفل فيها الأفراد بما يمتلكون من مصادر للتنوع، ويشعرون بالانتماء لهذا المجتمع، والقدرة على طرح كل همومهم بحرية.

قد تتعدى حالة التماسك المجتمعي إلى الشعور بالاطمئنان للتعايش والمشترك، والانسجام بين مختلف المكونات الاجتماعية تصل لدرجة الاندماج بينها، مع الحفاظ على هوياتها الفرعية. ويشمل ذلك أيضاً التمتع بالأمان والتسامح والتحرر من الخوف، وسيادة ثقافة الاحترام والعون المتبادل من أجل نمو المجتمع.

هناك مؤشرات أخرى لقياس التماسك المجتمعي أيضًا منها وضوح مفهوم الصالح العام أو المصلحة الوطنية المشتركة، ووجود قانون يؤكد على المساواة والعدالة بين مختلف هذه المكونات، وتكافؤ الفرص في المشاركة المجتمعية أمام الجميع.

مجتمعاتنا العربية بشكل عام تضعف فيها حالة التماسك المجتمعي بصورة ملحوظة وتتدهور بسرعة كبيرة، وتنمو في المقابل أطر بديلة تشكل استقطابات متعددة. ينشأ عن ضعف التماسك المجتمعي ظواهر العنف المادي واللفظي بصوره المختلفة والتي تحل مكان السلم الاجتماعي، كما تستدعي هذه الحالة أيضًا الاحتكام للسلطة الفردية وتغييب القانون العام.

لعل في بعض التصريحات والخطب والكتابات ما يفضي إلى حالة من التنابز الخفي والواضح ضد بعض مكونات المجتمع، والذي يزيد من الفرقة والتفكك التدريجي، وخاصة عندما لا يعكس واقعًا صحيحًا بل يرسم صورًا مغلوطة أو مشوهة.

تتطلب المعالجة وتعزيز التماسك المجتمعي استحضار تجارب المجتمعات الأخرى التي تعرضت لهزات داخلية أفقدتها التوازن، وتحولت إلى جماعات متصارعة فيما بينها، ليكون ذلك درسًا للحد من التجاوزات والوقوف أمام توجهات التصدع والتفكك من بداياتها.

كما يتطلب ذلك أيضاً القيام بمبادرات وطنية عامة تعزز وحدة المجتمع، وتحدد مصادر القلق لدى فئاته، وتعرف الجميع بالمصالح العامة المشتركة، وضرورة المحافظة عليها والدفاع عنها.

إنّ وضع برامج واستراتيجيات وطنية شاملة تهدف إلى استعادة التماسك المجتمعي وتعزيز أواصره، على أساس علمي وموضوعي واضح سيُعطي بالنتيجة أثرًا إيجابيًا للحد من تدهور العلاقات الاجتماعية وجعلها قائمة على أساس من الوضوح والشفافية والحرية.

تعليق عبر الفيس بوك