خطورة رفاق السوء على طلبة المدارس والكليات

عيسى الرواحي

بعد ما ذكرناه في المقالين السابقين عن الصحبة الطيبة ورفقة السوء، وما أوردناه من أدلة شرعيّة لكل فكرة سردناها، فإننا نستعرض في مقال اليوم الحقائق المرة والمآسي الكدرة حول خطورة رفاق السوء على فلذات أكبادنا خاصة من طلبة المدارس والكليات، والتي نعتبرها من أهم القضايا المجتمعية.

ومع ما نشهده من تسارع في الأحداث، وتغير في أنماط التربية، وانفتاح هائل على العالم، وتقدم غير مسبوق في وسائل التواصل نجد أنّ القضايا المجتمعيّة والهموم الأسريّة والمشاكل المدرسية تزداد يومًا بعد يوم، وأصبحنا نسمع ونرى ما كنا نستبعد أن يكون يومًا ما في مجتمعنا أو مدارسنا، ومما نجزم به، وتؤكده الأدلة والحقائق وشهادات الاعتراف في جهات الاختصاص المعنية أنّ كثيرًا من القضايا غير الأخلاقية والآفات المجتمعيّة يقف خلفها سبب رئيس أساسي ألا وهو رفقة السوء بعد اعتبارنا أنّ غياب الوازع الديني هو أساس كل بليّة ومعصية.

ففي ظل ارتفاع نسبة تعاطي المخدرات في مجتمعنا الآمن وما يتعلق بهذا الخطر الجسيم من متاجرة وسرقة واحتيال، وتزايد حالات التفحيص بالسيّارات، وكثرة السهرات الليلية الشبابية وما يعقبها من جنون الشوارع؛ فإنّ كل تلك المآسي يستبعد أن تحدث دون مسببها الرئيس وهم رفاق السوء، فالمتورط بآفة المخدرات يكون بداية تعاطيه لها من رفاقه، والمتعاطي عليها لا يهدأ له بال ولا يقر له قرار دون أن يورط رفاقه بهذه الآفة الخطيرة الممقوتة، بل إنه إن وصل مرحلة الإدمان فإنه يصاب بحالة من الهوس لكي يدمن معه الآخرون، ولا ريب أنّ السهرات الليلية الدائمة التي يقضيها الشباب خارج منازلهم ستكون محفوفة بالكثير من المحذورات والمحظورات، فإلى متى نظل في سبات عميق عن متابعة أبنائنا، ومعرفة رفاقهم؟!

وفي البيئة المدرسيّة لسنا بحاجة إلى من يثبت لنا بالدليل والبرهان في أنّ خطر رفاق السوء على الطالب أشد من سموم العقارب والحيّات، فرفقة السوء بما تملكه من عوامل جاذبة للتأثير والتغيير؛ بحكم التقارب السني بين الرفاق، وتقارب اﻷفكار والرغبات، ومرحلة التغيير التي يمر بها الطلاب خاصة من سن الثانية عشرة إلى السابعة عشرة، وقضاء أوقات طويلة مع بعضهم، وغياب رقابة اﻷسرة تلك الفترة، فإنّهم يستطيعون تغيير مستوى الطالب من مجيد إلى راسب، ومن مجتهد إلى مهمل، ومن مؤدب إلى متمرد، وفي خلاصة اﻷمر فإنّ ما تبنيه اﻷسرة في أعوام من تربية ﻷبنائها ورعاية واهتمام يستطيع رفاق السوء هدمه في أيام، وما تقوم به المدرسة من بناء وتطوير لطلابها قد ينكسه رفاق السوء داخل المدرسة أو خارجها بأقل جهد وأقصر وقت، ومن يقرأ في قضايا المؤثرات العقلية وهتك اﻷعراض والجرائم اﻷخرى عند هذه الفئة السنية تحديدًا من طلبة المدارس والكليات والتي تغص بها المحاكم وإدارات مراكز الشرطة في مجتمعاتنا الخليجية- بما فيها مجتمعنا- يتبيّن له بوضوح أنّ أغلب تلك القضايا إن لم يكن أجمعها كانت عبر بوابة رفاق السوء.

ولكن مما يؤسف له حقا، ويزيد الجرح ألما أن تتهاون كثير من اﻷسر في هذا الشأن، وتقلل من خطورته؛ فتترك الحبل على الغارب ﻷبنائها يرافقون من يشاءون، ويخرجون من البيت ويعودون إليه متى يشاءون، ويتصرفون كيفما يشاءون، فكم من أب نبهناه على خطر رفقة السوء على ابنه ومستواه الدراسي، فيرد قائلا: أعلم ولكن ماذا أفعل؟! وكم من أب حذرناه من سهرات ابنه مع شباب لا يؤتمنون ولا يوثق بهم، ولكن دون فائدة، وكم من طالب لم يأخذ بالنصيحة بعد أن نصحناه عن رفاق السوء، فكانت النتيجة الرسوب، وكم من طالب لم يرتدع بعد أن زجرناه عن ترك رفقة فلان وعلان، فكانت النهاية الفصل والفشل، وكم من طالب وطالبة بعد أن دخلوا الدراسة الجامعية تغيرت مظاهرهم وطباعهم، وساءت أخلاقهم ومعاملاتهم وكل ذلك بسبب بيئة اﻷصحاب والرفاق، وكم من أم تتجرع غصة فقد أحد فلذات أكبادها إثر حادث سير وقع منتصف الليل عقب سهرة شبابية، وكم من أب يعاني هموم الليل وذل النهار بما جرّه إليه رفاق السوء لابنه في قضية يندى لها الجبين، فإنّا لله وإنا إليه راجعون!

وعندما تتهاون اﻷسرة مع أبنائها في هذه القضية، فماذا عساها تنتظر منهم وهم يسهرون خارج المنزل إلى أنصاف الليالي ويسرحون ويمرحون مع رفاق لا تعلم عنهم شيئًا، ولديهم هواتف نقالة بأحدث التقنيات؟! ونحن عندما نحذر أنفسنا وأفراد المجتمع من خطورة رفاق السوء على أبنائنا، فإنّ علينا في المقام اﻷول وقبل كل شيء أن نربي أبناءنا التربية الصالحة من أن يكونوا هم أنفسهم رفاق سوء لغيرهم، فرفاق السوء في النهاية هم أبناء المجتمع، ومن الضرورة البالغة أن نبين أنّ التحذير من رفقة السوء ليس للأبناء فحسب، وإنّما للبنات كذلك من طالبات المدارس والكليّات، فمن المزعج المخيف أن تكون آفة المخدرات في وطننا العزيز قد ابتليت بها البنات كذلك في بعض المحافظات، وهذا يؤكد أهميّة تحذير الجنسين على حد سواء من رفقة السوء.

وحسب ما تشير إليه إحدى الاختصاصيات النفسيات بإحدى الدول العربية حول أسباب كون الابن رفيق سوء وصاحب نزعات شريرة فإن ذلك يعود بسبب أحد ثلاثة عوامل مهمة وهي إما أن يكون من أسرة مفككة ولا يجد فيها النصح والتوجيه، أو أنه يتمتع بحرية لا حدود لها ويعيش في رفاهية كبيرة، أو قد يعاني من نقص داخلي ومشاكل نفسية، وحينها تتولد لديه النزعات الذميمة والتصرفات الخاطئة، والبحث عن رفاق له ليجرهم خلفه في المزالق الخطيرة.

أما التحاق الابن برفاق السوء فيكون ناتجًا من عدة أسباب أهمها تهاون اﻷسرة في هذا الأمر والتقليل من شأنه، وترك الحرية كاملة للابن في اختيار رفاقه، وعدم متابعة الابن بالشكل المطلوب، وغياب القدوة الحسنة داخل المنزل، والتفكك اﻷسري، واﻷساليب التربوية الخاطئة، وغياب التربية المجتمعية، وكثرة أوقات الفراغ وغيرها من اﻷسباب، ومن اﻷهمية بمكان أن نوضح أن رفاق السوء للابن قد يكونون من أقاربه وهنا يكون اﻷمر أشد خطورة وأكثر صعوبة، كما أن رفيق السوء قد تكون لديه أساليب جاذبة بعيدا عن العدوانية كالتودد واللين، وهذا يجب الحذر منه أكثر من رفاق السوء الذين يتسمون بالبطش والعدوانية.

وإيمانا بمسؤولية الوالدين في التربية وأن الكل مسؤول عن رعيته، وأن اﻷبناء هم أغلى ما يملك اﻹنسان، ونظرا ﻷن الوقاية خير من العلاج، وما لتأثير رفقة السوء على الابن، فإن اﻷسرة مطالبة أن تحيط أبناءها بالعناية والرعاية والمتابعة والاهتمام داخل وخارج المنزل سواء كانوا فترة التعليم النظامي أم الجامعي، وتنشئتهم التنشئة اﻹيمانية الصالحة التي هي الحصن الحصين لهم من الانزلاق فيما لا يحمد عقباه، واتباع اﻷساليب التربوية الصائبة معهم، والاقتراب منهم بشكل كبير ومعرفة رفاقهم، ومن الحكمة أن تقيم اﻷسرة علاقات عائلية مع رفاق أبنائها الذين ترتضيهم لهم، وسد أوقات فراغهم بالجوانب التي يحتاجها اﻷبناء في هذه المرحلة كالرحلات العائلية وممارسة الرياضة، كما ينبغي للأسرة أن تتواصل مع المدرسة بشكل مستمر للاطمئنان على وضع أبنائها، ولا ريب أن للمدرسة دورا كبيرا في توعية الطلاب بأهمية اﻷخلاق الحسنة والصحبة الطيبة وتحذيرهم من رفاق السوء، والسعي الدائم في جعل البيئة المدرسية بيئة تعليمية أخلاقية آمنة... والله المستعان.

issa808@moe.om

تعليق عبر الفيس بوك