التعليم من اللوح والقلم إلى الحاسوب والآيباد

خلفان العاصمي

ليس من المبالغة في أن يطلق على الجيل الحالي بـ (جيل الآيباد)، بل هو واقع أفرزته الحياة المعاصرة وما أنتجته من تقنيات ووسائط رقمية حولت الكثير من أنماط الحياة إلى إنماط أخرى يغلب عليها الطابع التقني، واستخدام وسائط عديدة ذات طابع متجدد بشكل سريع، وعندما نتحدث بأن الحياة بأنماطها قد تغيرت فإن التغير ليس فقط في الأدوات المستخدمة وإنما حتى في المحتوى الموجود بهذه الأدوات. فعلى سبيل المثال كنا نستمع لعدد محدود من الإذاعات وبرامج محدودة جدآ، وكنا نشاهد قناة تلفزيونية واحدة أو عدد لا يتجاوز أصابع اليد على أكثر تقدير عبر لاقط هوائي، أما اليوم فأصبحنا نستمع لإذاعات عدة مختلفة ومنوعة في محتواها وطرحها وبوسائل عدة ليس عن طريق المذياع التقليدي فقط ونشاهد مئات القنوات العامة والمتخصصة المحلية والدولية ونتنقل فيما بينها بضغطة زر واحدة سواء عبر لاقطات الأقمار الاصطناعية أو عبر الإنترنت، وفي الجانب الآخر فإن التعليم هو النمط الذي تأثر بشكل مباشر بإفرازات الثورة التقنية سواء في أساليبه أو أدواته وحتى نتائجه، ففي الماضي كان المعلم ينقل العلم إلى المتعلم عن طريق الشرح له والرد على استفساراته أي عن طريق المحادثة بينهما بدون أية أداة مستخدمة، وبالتالي كان عدد المستمعين للمعلم الواحد محدودا، بعد ذلك أتت مرحلة القراءة والكتابة، حيث أصبح من الممكن لأعداد كبيرة أن تتلقى العلم من المعلم، في هذه المرحلة تدرجت التقانات المتاحة بدءا من اللوح أيا كانت المادة المصنوع منها وفي العادة كانت اكتف بعض الحيوانات كالأبقار والجمال بالإضافة لمادة أشبه بالصبيغة أو النيل تستخدم للكتابة إلى مرحلة الورقة والقلم، تلت هذه المرحلة مرحلة أخرى وهي التجمعات التعليمية وبدأت بمدارس غير نظامية وغير رسمية يغلب عليها الطابع الأهلي إلى أن وصلت لمرحلة المدارس والكليات بشكلها الحالي والتي تميزت بتجمع الطلاب والأساتذة والموارد الأكاديمية مع بعضها، فقد استقطبت هذه التجمعات الطلاب والأساتذة من مسافات بعيدة عنها مما مكنهم من التفاعل فيها تلقائيا، كما تم في هذه المرحلة تجميع وتنظيم الموارد الأكاديمية في أقسام تخصصية، وكانت التخصصات تتطور مع الزمن وتنقسم إلى أقسام فرعية أكثر تخصصية وفي هذه المرحلة كانت التقانات المتاحة هي قاعات المحاضرات والمختبرات والمكتبات وبعض المرافق الأخرى التي تتوافر حسب إمكانيات المؤسسة التعليمية والكثافة العددية بها وكذلك وفق الموارد المتاحة لتشغيلها.

المرحلة الثالثة والتي نعيشها الآن وهي مرحلة التقانات الحديثة والتعلم الإلكتروني سواء من خلال الوسائط المستخدمة أو المحتوى الذي يتماشى وعالمية التعليم، وهذه المرحلة ما هي إلا نتاج للعصر الإلكتروني الرقمي وما يقدمه من تقانات سواء أكانت أجهزة حاسوب ثابتة أو محمولة أو أجهزة لوحية أو هواتف ذكية وصولا إلى السبورات التفاعلية والمختبرات الرقميّة المزودة ببرامج حاسوبية يستطيع من خلالها المعلم والمتعلم التفاعل مع المادة العلميّة المقدمة بطريقة سهلة وجاذبة مع وجود خيارات أخرى للتخزين أو المشاركة مع الآخرين عبر الشبكات الداخلية والدولية، ولعلّ من أبرز نتائج هذه المرحلة هي ثورة التعليم حيث تمكن تقانات هذا العصر الطلاب من أن يصبحوا أكثر نشاطاً وأكثر استقلالية في تعلمهم فشبكة الإنترنت بجميع مواقعها وخدماتها وتطبيقاتها تسمح بإقامة تجمعات ذات بنى معرفية جديدة يمكن فيها للأطفال وللبالغين في أنحاء العالم من أن يتعاونوا وأن يتعلموا الواحد من الآخر، كذلك فإنّ الحواسيب تسمح للطلاب بتحمّل مسؤولية التعلم عن طريق الاستكشاف والتعبير والتجربة وهذا نقل دور الطالب من كونه "متلقن" إلى "متعلم" ودور المعلم من "خبير" إلى "متعاون أو موجه".

حول هذه الأفكار تتمحور البنية التعليمية لهذه المرحلة، حيث إن المعرفة ليست فقط عملية نقل من الأستاذ إلى الطالب وإنما أيضا الكيفية لتلقي الطالب لهذه المعرفة من الناحية الذهنية، وهنا يقترح إيجاد اتصال قوي بين "ما يتم عمله" و"ما يتم تعلمه" فالنشاطات مثل "عمل"، "بناء"، "برمجة" تؤمن وسيلة غنية للتعلم، وتمكن الطلاب من حمل مسؤولية أكبر في العملية التعليمية، من ناحية أخرى فإنّ أحد التطبيقات الهامة لتقانة الحاسوب هو المحاكاة، فالمحاكاة الحاسوبية تمكن الطلاب من استكشاف ظاهرة ما تكون كلفة العمل بها - في حال عدم استخدام المحاكاة- عالية، أو يكون من غير العملي أبدا العمل بها خلال الدرس ويمكن التأكيد أنّ أعمال المحاكاة فعالة لأنّها تؤمن أداة توجيه جيدة للطلاب لفهم ومكاملة ما تعلموه.

تعليق عبر الفيس بوك