اكتشافات أوباما

جمال القيسي

من يقرأ حوار الرئيس الأمريكي في جريدة نيويورك تايمز، والذي أجراه معه الصحفي المعروف، توماس فريدمان، الأسبوع الماضي، يدرك تمامًا أنّ أوباما قد لخص في الحوار "الصريح جدا" محاور السياسة الأمريكية في المنطقة منذ عقود، وبالقدر نفسه، سيدرك، من "استمتع" بعد قراءة الحوار أنّ ما صرح به سيد البيت الأبيض يعلن "العنوان المقبل للعلاقة بين الولايات المتحدة والعرب"، ودول الخليج تحديدًا؛ فالسيد أوباما يدعو إلى حوار أمريكي خليجي، وموافق على تقديم دعم أمريكي كبير لدول الخليج ضدا أعدائها الخارجيين، ولكنه يشترط عليها، في غضون ذلك، معالجة الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان في هذه البلدان، وينبه هذه الدول إلى خطورة هذه الانتهاكات على الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولم يحدد لنا الرئيس الشجاع في إدارة كل الملفات، متى اكتشف هذه الانتهاكات، ولم يبين لنا لماذا صمت عنها هو والإدارات الأمريكية السابقة المتعاقبة، جمهورية وديمقراطية، طيلة العقود الماضية من الرخاء الانفتاحي الذي شهد سياسات مشتركة وآمال وتطلعات.

كما يعلو خطاب السيد أوباما إلى حد من النقد يحمل معنى تحذيريًا لدول الخليج من الثورات الداخلية (يا ساتر)، ومن فئة الشباب الغاضب العاطل عن العمل، والذي ليس هناك من أحد يستمع إلى مطالبه، مبينا أنّ العون والدعم الأمريكي سيكون ذا فائدة حين تقلل دول الخليج من مخاوفها من الأعداء الخارجيين ويسمح بإجراء محادثات وحوار مع إيران بشكل مثمر وبناء!

لقد لفتت بعض وسائل الإعلام إلى أنّ هذه هي المرة الأولى التي يحذر فيها أوباما دولا عربية من الخطر الداخلي المتمثل بغضب جماهيري! لكن ما لم يلفت إليه أحد بعد تصريح الرئيس الأمريكي، أن واشنطن لا تأبه بانفجار أي وضع في أي مكان في العالم، وهي قادرة على اتخاذ الخطوات التي تخدم مصالحها، فرأيناها تؤيد الثورة المصرية بقدر معتنى به مرة جدا، وتحييد موقفها من الثورة السورية بعناية أكثر مرة أخرى، وامتدحت الثورة التونسية قبل ذلك على نحو من الاعتراف لم تفرضه سوى سرعة إنجاز تلك الثورة زمانيا ومكانيا.

ورغم ذلك الوضوح الساطع الوضوح، إلا أن واشنطن اليوم تبدي قلقها، لا بل توجيهاتها فتعلن اكتشافها أو انتباهها وتنبهها إلى أن في دول الخليج كمائن غضب، وجمر تحت الرماد، وهذه الثورات المتأهبة هي ما يعيق هذه الدول عن فهم حقيقية عدوها الخارجي، فتؤكد لها أمريكا وبكل صدق وأمانة تاريخية معهودة أن هذا العدو ليس إيران!

ليس إيران يا جماعة!

هل من بوح أبلغ وأكبر. هل من عناوين واضحة و"موقفية" بعد هذه التصريحات التي لو أراد المرشد الأعلى في طهران صياغتها، لما جاءت على هذا النحو من الحدة والاستهتار والتعالي ولدة الخصام!

يا لكلمة الحق التي لم تصبر على كتمانها يا سيد أوباما! هل كان كل ذلك العمر من السياسة و(وفود رايحة داعمة ووفود جاية متضامنة) كانت مكابدة على أمور لم تستطع البوح بها أنت وأسلافك؛ غياب الديمقراطية في الخليج! يا لقدرة واشنطن على الصبر على حقوق الشعوب المسكينة، والتي آن لها اليوم أن تنال حقها، فالعدو ليس طهران ولا مشاريعها؛ بل المواطن الخليجي الذي لن يسكت على ظلم الأنظمة طويلا، وقد نبهه إلى ذلك الديمقراطي الأمثل!

تسميات كثيرة تليق بهذه الحالة من المكاشفة الفضائحية، والتي لن تقل فجاجة عن الوصف بأنها جبن الهروب من اللحظات الصعبة، والقفز من قارب تحالفات تاريخية كانت الداعم الرئيسي لتوازنات وحماية المنطقة على مدار عقود، والأهم من ذلك ما كانت تمنحه هذه التحالفات من ركائز اقتصادية واحتياطيات استراتيجية هائلة، ليس في مقدمتها نعمة النفط والطاقة وتوفير المخزون الوطني في خزانة الرصيد الانتخابي في مضمار السباق على نيل قلب المستهلك الأمريكي.

ليس بعد الصراحة المصلحيّة صراحة ولا نقول ذنب!

تعليق عبر الفيس بوك