الإرهاب والطائفية وتنامي أعداد اللاجئين السوريين.. ثالوث يُهدد الأمن القومي في لبنان

طرابلس (لبنان) - الوكالات

بعد أربعة أعوام من رماد الحرب, غدتْ سوريا صدعا في خريطة الإقليم, يفيض حمما على جوارها, وما وراء الجوار, دخان النزاع عم المنطقة وهدد السلم والاستقرار في غير دولة, بل وهدد بتغيير الخرائط المستقرة ردحًا من الزمن, غير أنَّ أفدح أعراض الأزمة السورية كان الوباء الداعشي الذي استشرى في المنطقة, وصدر رؤيته العدمية حتى خارج الإقليم, هذا الفكر الظلامي الذي بات كابوسا عالميا وقضية القضايا أضحى له شبه دولة في سورية والعراق تنطلق منها جحافل الإرهابيين موزعة الموت والخراب حيثما حلت, ورافعة لواء التحزب والنعرات الطائفية التي ما تفتأ تحيل المنطقة أتونا ملتهبا لا يبقي ولا يذر.. وفضلا عن ذلك تجيء التداعيات الإقليمية للأزمة المزمنة في سوريا لتلقي بظلالها على دول الجوار على كافة الأصعدة.

ولعل لبنان هو المتضرر الأكبر من تداعيات الأزمة السورية.. ويعود ذلك لعوامل عدة؛ لعل أبرزها: طبيعة العلاقة الغريبة والملتبسة تاريخيا بين البلدين الجارين، لاسيما في العقود الأربعين الأخيرة تلك العلاقة التي جعلت لبنان ساحة للنفوذ السوري ولاحقا الإيراني الأمر الذي أدخل لبنان في لعبة اكبر من قدراته وظروفه, وأربك معادلاته السياسية المرتبكة أصلا, يقودنا هذا إلى العامل الآخر وهو طبيعة التوازن الطائفي الدقيق والمعقد الذي نشأ عن اتفاق الطائف وأسفر عن حالة استقرار نسبي وان يكن هشا, غير انه جنّب لبنان لعقود استعادة فصول حربه الأهلية الدامية, الطبيعة الطائفية التي سعى النظام السوري إلى جر الانتفاضة الشعبية إلى منزلقاتها أيقظت التناقضات الكامنة تحت الرماد في لبنان, إذ ترددت أصداء الخطاب الطائفي للازمة السورية في الشارع اللبناني ,ما جعل لبنان ساحة خلفية لنزاع النظام السوري والمعارضة.

هذا التوتر الطائفي تمظهر في إشكالات أمنية متوالية شهدتها بعض المناطق اللبنانية؛ حيث نشبت اشتباكات بين لبنانيين سنة وشيعة, كما جرت عمليات خطف متبادلة, وأعمال عنف ذات نفس طائفي.

ويزيد المشهد اللبناني تعقيدا فيضان اللاجئين السوريين, الذي نال لبنان الحصة الأكبر منه بحكم القرب الجغرافي والأواصر المشتركة؛ إذ يقدر عدد السوريين الذين لجأوا إلى لبنان بأكثر من مليون لاجئ يمثلون 38% من حجم اللاجئين السوريين, وفقا للتقديرات الرسمية, فيما تشير التقديرات غير الرسمية إلى وجود نحو مليون ونصف المليون لاجئ سوري على ارض لبنان, هذا الحجم الهائل من النازحين أدى إلى خلخلة التوازن الديمغرافي والطائفي المستقر وأثار مخاوف التكوينات الطائفية, هذا عدًّا عن أنه حمل معه بذور النزاع السوري الدامي بكل تداعياته وحموله العاطفية والدينية؛ مما أخل بالاستقرار وأثار الهواجس لدى أطراف عدة داخل لبنان, كما أن هؤلاء النازحين مثلوا عبئا كبيرا على الاقتصاد اللبناني السقيم, واستنزافا للخدمات الأساسية الشحيحة, وفي تقديرات منظمات دولية تجاوز عدد اللاجئين السوريين عدد السكان اللبنانيين في بعض القرى كما أن عدد الطلاب السوريين في المدارس اللبنانية تجاوز ما نسبته ثلثي عدد طلاب لبنان, فضلا عن استنزاف الخدمات الطبية فان اللاجئين السوريين أيضا شكلوا عبئا على سوق العمل المحدود بشروط تنافسية تجري في صالحهم بسبب قبولهم لأجور اقل من نظرائهم اللبنانيين, كل هذه العوامل عزَّزت من الحساسيات بين اللبنانيين والنازحين وأفرزت مناخ احتقان لا يخلو من البعد الطائفي.

ويعزز من ارتدادات اللاجئين على السلم الأهلي اللبناني، انخراط حزب الله في الأزمة السورية وإسناده للنظام الطائفي في دمشق, معمقا من البعد التقسيمي لأزمة سوريا في النسيج اللبناني, هذا الدور المريب للحزب والفائض عن حاجة لبنان بل والناشز عن سياسة لبنان المعلنة تجاه الأزمة السورية وهي سياسة النأي بالنفس ارتد داخليا بمزيد من الانقسام والشلل السياسي ما جعل لبنان بلا رئيس منذ ما يقارب التسعة أشهر وبعد فشل 18 محاولة لمجلس النواب لانتخاب الرئيس العتيد.

وفي ظل هذه الأجواء المتوترة تسَّربتْ إلى لبنان أيضا عناصر إرهابية تحت ستار اللاجئين لتنفيذ أجندتها المشبوهة منتهزة ظروف الاحتقان المذهبي, ومستدعية دعوات التخندق الطائفي, مما يهدد لبنان بالبلقنة التي لا يحتملها البلد الصغير.

ووجه آخر أكثر خطرا للتداعيات السورية.. إذَّ جر حزب الله وتدخله في مجرى الثورة السورية إلى تعظيم مخاطر التدخل الإسرائيلي وتجديد فصول العدوان على لبنان, وكشفت التصريحات المتعددة الصادرة عن إسرائيل عن النوايا العدوانية لتل أبيب؛ حيث دعا رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، اللواء احتياط غيورا ايلاند، إلى توجيه التهديدات للبنان.. معتبرا أنَّ تدمير لبنان سيمثل ردعا حقيقيا لحزب الله وهدد إيلاند بتدمير البنية الأساسية لكل لبنان بأكملها في حال نشوب حرب بين إسرائيل وحزب الله وليس معاقل الحزب فقط.

ومن جانبه، هدَّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المهاجمين الذين قتلوا جنديين إسرائيليين قرب الحدود الإسرائيلية اللبنانية بدفع الثمن.. وقال نتنياهو خلال مشاورات مع مسؤولين أمنيين بشأن رد محتمل آخر على الهجوم بصواريخ مضادة للدبابات "المسؤولون عن الهجوم اليوم سيدفعون الثمن كاملا".

ومثلت عملية القنيطرة التي قتل فيها ستة من عناصر الحزب إحدى مقدمات هذا الخطر الذي سيصيب بشرره لبنان بكل طوائفه ويحول البلد لساحة حرب وخراب جديدة.

تعليق عبر الفيس بوك