المواطن كمنقذ للأمن الخليجي

د. سيف المعمري

قد لا تكون "عاصفة الحزم" هي العاصفة الوحيدة التي سوف تشهدها المنطقة الخليجية التي تجدِّف حُكوماتها في بحر من البترول، وتتصرَّف به دون أيِّ رقابة شعبية؛ فقد كانت المنطقة من قبل مسرحا لعاصفة قوية جدًّا لا تزال آثارها قائمة هي "عاصفة الصحراء"، التي كانتْ عاصفة تحريرية لدولة خليجية احتلَّت من قبل دولة تعتبر قوة إقليمية في ذلك الوقت. أما "عاصفة الحزم"؛ فهي كما يُعلن حرب وقائية لحماية الدولة الخليجية الأكبر من التوسُّع الإيراني في اليمن. وفي سبيل الحفاظ على الوجود، جاءت هذه العاصفة التي تعرف بدايتها ولكن لا أحد يعرف كيف يمكن للخليجيين المشاركين فيها أن ينهوها! وهل ستؤدي إلى تعزيز الأمن الخليجي أم أنها ستضعفه؟

... إنَّ هذه الأسئلة المتعلقة بالأمن في المنطقة ظلَّت مطروحة طوال العقود الماضية، التي شهدت كثيرًا من الأزمات والحروب الإقليمية، وتأثرت بها دول الخليج أمنيا واقتصاديا، وكان الحديث دائما عن منظومة الأمن وكيف يمكن أن تظل الدول الخليج بعيدة محمية من أي صراعات إقليمية، ومن أي أطماع من قبل الدول الكبرى في المنطقة، وكان أن دفعت دول الخليج جزءًا كبيرًا من فاتورة هذه الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية بمسمى الدفاع عن أمن المنطقة، أو من خلال دفع مبالغ ضخمة لشراء الأسلحة وتكديسها، وكان الشعور -وربما لا يزال- أن المواطن في دول الخليج هو آخر من يعتمد عليه في الدفاع عن استقرار المنطقة، بل إنَّ بعض الدول لا تزال تعتبره مهدِّدا لها ولأمنها، وأنه لا رأي له في الحروب التي يمكن أن تشن أو الصراعات التي يمكن أن تموَّل من عوائد النفط التي يجب أن توجه لتحقيق الرخاء والطمأنينة له، ولأبنائه... وغيرهم من أجيال المستقبل الذين لا يفكر فيهم أحد.

المواطن هو صمام الأمان للمنطقة، هذا الشعار الذي يرفع بعد كل أزمة تمر بها المنطقة، هذا المواطن الذي يجب أن يكون رأيه أساسياً فيما يجري لأنه هو الذي سيدفع ثمن فواتير الحرب إما اقتصاديا من خلال ضعف الوضع الاقتصادي جرَّاء الحرب وتكاليفها أو أمنياً؛ حيث سيكون مُستهدفا في حركته في هذا العالم، وفي كلا الحالتين فهو غير آمن على الرغم من أن الغاية الرئيسية هي تحقيق الأمان له، لكن تحقيق الأمان لا يحدث دائما بشن الحرب، خاصة إذا كان الطرف المعني هو دول الخليج التي يجب أن يكون لديها قدرة على الوقوف بتوازن على حبل مُتأرجح بشدة في المنطقة منذ عقود؛ من أجل التعامل مع القوى الكبرى في المنطقة بحكمة تأمن شرها، وتأمن مؤامراتها لاستنزاف الثروة الكبيرة التي توجد في المنطقة، وتأمن شرها من خلال تعزيز مواطنيها وتقويتهم بكل ما تملك؛ لأنَّ هؤلاء المواطنين هم خط الدفاع الأول لكل دولة خليجية، والتاريخ يقول إنَّ هذه المجتمعات الصغيرة في المنطقة نجحتْ في ما مضى من قهر هذه القوى العظمى وألحقت بها -رغم ضعف إمكاناتها في ذلك الزمان- خسائر فادحة جدا، فلماذا لا نقرأ اليوم ذلك التاريخ بوعي؟ ولماذا لا نحاول أن نوجه نظرنا إلى الداخل لأنه كما وصفه الأمير نايف بن عبدالعزيز في اجتماع أمني لوزراء الداخلية الخليجيين في العاصمة البحرينية المنامة في يناير 2012م بأنه "صمام الأمان" للمنطقة؟

... إنَّ دول الخليج لا تتعلم من الأزمات المتوالية، على الرغم من أنها استنزفت مليارات الدولارات من حق شعوبها في التنمية والاطمئنان؛ حيث لا يزال كثير منهم لا يتمتعون بجودة في الحقوق الاجتماعية الأساسية من تعليم وصحة، ولا تزال هذه الدول غير قادرة على تحقيق مراكز متقدمة لمواطنيها في مؤشر السعادة العالمي؛ حيث تأتي دول كثير قبلها، وفي مقدمتها إسرائيل التي لديها هاجس أمني باستمرار.

... إنَّ الانتصار الحقيقي لمنظومة الأمن يكمُن في تحقيق السعادة للمواطن؛ من خلال توفير حقوق مواطنة عالية الجودة؛ لأن ذلك يُعزز لديه القدرة على الصمود ومواجهة التحديات التي تواجه هذه الدول الخليجية الواقعة بين كفي كماشة قوى إقليمية خارجية وقوى داخلية بالملايين من القوى الآسيوية التي تسيطر على مفاصل الاقتصاد، وربما تنقلب فجأة في بعض المدن الخليجية، وبالتالي لا مفر من الحكمة والتعقل في التعامل مع هذا الواقع، لأن فرد بعض دول المنطقة عضلاتها لا يعبر إلا عن سوء تقدير للواقع، والتعامل مع متغيرات السياسة الإقليمية يتطلب الحكمة، وحمدا لله أن هذه البلد لا تزال تحتفظ بتعقلها.. في ظل الجنون الذي يسود المحيط، تعقلها في حماية للمواطنين من أجل عدم الزج بهم في حروب لا نتائج لها إلا الدمار، واستنزاف إمكانات وطاقات لابد أن توجه لتعزيز التنمية وسعادة المواطنين وأمنهم.

... إنَّ اعتبارَ المواطن العامل الأبرز في ضمان الأمن الخليجي، يتطلَّب الأخذ بكل الدعوات الخليجية الرسمية التي صاحبت بداية الربيع العربي، وبدأ وقتها أن هناك إيمان جديد، وقناعات ثابتة بدأت تترسخ نتيجة تقييم دقيق لوضع المنطقة الخليجية، ومن ذلك ما أشار إليه الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي خليل الزياني في ندوة صحيفة الرياض يوم 13 ديسمبر 2011م، بأن "تطوير الفرد المتعدد الجوانب" يمثل أولوية خليجية، وأكد أنَّ تلبية دول المنطقة للحاجات الاجتماعية والسياسية لمواطنيها يعد مكونا هاماً من مكونات الأمن القوي للدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وفي ضوء ذلك تصبح عملية الاستمرار في ترسيخ المواطنة في المنطقة عاملا أساسيا في تحقيق الاستقرار؛ فالتحديث السياسي وتوسيع دائرة المشاركة الشعبية في التشريع والرقابة على الثروات الوطنية يعد ضماناً طويل الأمد لأمن المنطقة، كما أنه يُعزز من تحمل المواطنين لواجباتهم نتيجة شعورهم بالمساواة في العدالة الاجتماعية، ويكونوا حريصين على الدفاع عن الدولة لأنهم لا يشعرون بالتمييز والتفرقة على أسس مختلفة، فذلك لا ينصع مجتمعا قابلا للحياة، بل إنَّه يمثل قنبلة قابلة للانفجار، وجماعات قابلة للاستقطاب خارجياً، سيما في ظل الدعوات الطائفية التي تريد أن تقضي على حالة السلم الأهلي في الوطن العربي بأكمله؛ فالآذان تكون مهيَّأة للاستماع لهذه الدعوات سيما آذان المهمَّشين والمستثنين من المساواة في حقوق المواطنة.

... إنَّ المواطن في الخليج -بأي صفة كان- باعتباره أساسا للأمن الخليجي، يجب أن يكون له دوره في توجيه رسالة قوية لرفض الحرب والطائفية ونشر الكراهية وتهديد أمن الخليج؛ فجميع الحلفاء الذين تثق بهم القيادات الخليجية لحماية المنطقة هم اليوم يتفرجون على ما يجري لا يفكرون إلا في شيء واحد هو الحصول على أعلى نسبة من عوائد البترول، أما العواقب والنتائج فتترك للمواطن الخليجي البسيط مواجهتها؛ فالخليج لم يكن يوما لكل العالم إلا الدجاجة التي تبيض ذهباً، وحده المواطن الخليجي الذي ظل مع الدولة حتى وإن كان نصيبه من هذا الذهب محدودا جدا، ورغم ذلك عليه أن يكون واعيا ويقف في وجه المغامرات الطائشة، وردات الفعل الغاضبة، من أجل الحفاظ على حقه في الاستقرار الأمني والاقتصادي، لأن هو الذي يجب أن يتحمل التكلفة عندما ينتهي كل شيء.

saifn@squ.edu.om

تعليق عبر الفيس بوك