كتاب "الأحلام بين العلم والعقيدة" للدكتور علي الوردي

صالح البلوشي

يرى الدكتور علي الوردي (1913 - 1995) في هذا الكتاب أنّ المسلمين هم من أكثر الناس في العالم تأثرا واهتماما بالأحلام، على عكس العالم الغربي. حيث إن علماء الاجتماع في الغرب لا يرون أن هناك صلة وثيقة بين الأحلام وتأثيرها على الناس، على العكس تماما مما هو حاصل في العالم الإسلامي. ويرى الوردي أن العامل الديني هو من أهم أسباب اهتمام المسلمين بالأحلام؛ والسبب في ذلك يعود إلى إسباغ هالة مقدسة على بعض الأحلام من الكثير من علماء الدين. حيث إن بعضهم يقول: إن الأحلام تنطق أحياناً بالوحي أو ما يسمونه بالرؤيا الصالحة. وقد جرى العوام والكثير من الأوساط الاجتماعية المثقفة والمتعلمة وراء هؤلاء في هذا التفسير، إلى درجة كان لها أثر اجتماعي بالغ السوء -حسب تعبير الوردي-. ويظهر مثل هذا الاعتقاد حين يرى النائم النبي محمد -عليه الصلاة والسلام-، أو أحد من الأئمة والصالحين في المنام، ويقال له إن رؤياه صادقة طبقاً لبعض الأحاديث الدينية. وقد يندفع بعضهم لترويج وتبشير ما قاله النبي وكأنه قد قال له ذلك حقيقة وفي اليقظة. وللأسف الشديد فقد شاهدنا كثيرا من المنامات يُرَوّجْ لها في المجتمع العماني بأن النبي قد بشر الشخص الفلاني بالجنة، أو الآخر بالنار، أو بَشّر الطائفة الفلانية بأنها هي الفرقة الناجية، أو أن الحق في المسألة الفلانية لفلان، فيندفع العامة وراء هذه المقولات دون تحقيق أو تعقل وكأنّ فلانا قد نطق بالحق اليقين.

استعرض الوردي في القسم الأول من الكتاب رأي البدائيين في الأحلام وذكر نظريتين في علم الاجتماع تعزو كل منهما إلى الأحلام أهمية كبيرة في نشوء الدين لدى البدائيين وهما نظرية سبنسر ونظرية بتلر. حيث يرى سبنسر: أنّ البدائيين لا يفرقون بين النوم والموت، ففي كليهما تخرج الروح من بدن صاحبها ولكنّها ترجع إليه بعد النوم، بينما تتركه نهائيًا بعد الموت. ويرى سبنسر أنّ هذه العقيدة البدائية هي التي أدت إلى ظهور الأديان المختلفة، فإذا مات أحدهم أسرع أقرباؤه إلى القيام بالطقوس وتقديم القرابين إلى روحه بغية التضرع إليها والتماس العون منها، ومن هنا نشأت عبادة الأسلاف التي هي أولى العبادات في البشر. وأما تيلر فقد كان يرى أن فكرة الروح نشأت عند الإنسان البدائي من ملاحظة نفسه عند النوم، فالرؤى العجيبة التي يراها في منامه تدفعه إلى تخيل وجود الروح في بدنه. وقد أدى به ذلك إلى الاعتقاد بأن كل شيء في هذه الدنيا له روح وبدن، والعالم بهذا الاعتبار مملوء بعدد لا نهاية له من الأرواح، وهي قادرة على نفع الإنسان والإضرار به، وما الآلهة إلا نخبة ممتازة من هذه الأرواح سمت على غيرها وصارت موضع الخشية والعبادة.

يُعّدُ الفيلسوف اليوناني الكبير أرسطو هو أول فيلسوف دَرّسَ الأحلام دراسة فلسفية بعيدا عن عالم الغيب وتدخل الآلهة، حيث قال: إن معظم الأحلام تنشأ من مؤثرات حسية، فكثيرا ما يخالج الإنسان شيء من الألم واللذة أثناء يقظته ولكنه لا يهتم بها لانشغاله بأمور أخرى أهم في نظره، فإذا استسلم إلى النوم ظهر له في ذلك أحلام واضحة. وفطن ارسطو كذلك إلى أثر الميول والعواطف والأمزجة في تشكيل الأحلام، فالمُحب يرى في منامه ما يلائم نزعات هواه. فالخائف مثلا يرى الأشياء التي تستوجب الخوف، والعاشق الولهان يرى حبيبته وهكذا.

وأما الرواقيون فقد اعتبروا الرؤيا الصادقة وحيا إلهيا، وقالوا: إن النفس البشرية تكون فريسة للأهواء البشرية والضغوطات النفسية أثناء اليقظة، ولكنها عند النوم تتحرر من الضغوط والشهوات وتصبح بذلك مهيأة على التنبؤ واستشفاف الغيب.

وقد استعرض الوردي في الكتاب رأي علماء المسلمين في الأحلام، وذكر بأن المعتزلة أنكروا كل صلة إلهية بالأحلام، ووصفوها بأنها مجرد أضغاث وأوهام. واستدلوا على ذلك بأن الإدراك الصحيح لا يتأتى للإنسان إلا في اليقظة حين يكون العقل في عنفوانه، وإن الإدراك والنوم ضدان لا يجتمعان، وليس من الممكن أن يدرك العقل حقائق الكون أثناء نومه، وعلى قدر الانتباه يكون الإدراك. وأما الصوفية فإنهم يعتقدون أن النوم يقظة واليقظة نوم ويقولون إن النفس البشرية مشغولة أثناء اليقظة بصور المحسوسات وهموم البدن وأما في النوم فينجلي عن بصرها الغشاء وتحلق في سماء المعرفة طليقة لا يشغلها شاغل، وبذلك نجد أن رأيهم في ذلك يشابه تماما رأي الفلسفة الرواقية.

ويرى الوردي أن الأحلام لعبت دورا كبيرا في ترسيخ بعض الاعتقادات الباطلة في الإسلام، مثل تقديس الشخصيات أو تقزيمها، حيث كان من عادة أتباع أئمة المذاهب الإسلامية أنهم إذا أرادوا الترويج لإمامهم أو التبشير بمذهبه، نسبوا بعض الأحلام إلى بعض الصالحين بأنهم رأوا النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الحلم، أو ما يسميه بعضهم بعالم الرؤيا، وأنه عليه الصلاة والسلام أوصاهم بإبلاغ سلامه إلى الإمام الفلاني، أو توصيل رسالة بأن الطائفة أو الفرقة الفلانية على الحق، وكل من يعاديهم فإنه في ضلال مبين، فيعمد أولئك الأتباع إلى الترويج ونشر هذه الأحلام بين الناس وكأنها وحي من الله.

كما استعرض الوردي في الكتاب بعض النظريات العلمية والفلسفية الحديثة في الأحلام، حيث صار أغلب المفكرين يجردون الأحلام من كل صبغة روحية أو قدسية، وعادت نظرية أرسطو للحياة من جديد بعد أن كانت راقدة لقرون عدة، وأصبحت تسمى بنظرية الحافز الحسي. وتعني أن الحلم ينشأ في النائم من جراء إحساس مادي يطرأ عليه وهذا الإحساس قد ينبعث من داخل البدن أو خارجه وآمن بها الكثير من المفكرين والفلاسفة قبل أن يأتي فرويد ويقضي عليها مرة أخرى. وقد انتقد سيجمند فرويد هذه النظرية ورأى أن الحافز النفسي قد يساعد على نشوء الأحلام ولكنه مع ذلك لا يعين مضمونها ولا يجدي في تفسير مغزاها. وقد جعل فرويد من تحقيق الرغبة الأساس الذي تقوم عليها الأحلام وحاول أن يُعلل به جميع الظواهر الغريبة التي يراها المرء في حياته.

ورغم التطور الكبير الذي طرأ على النظريات العلمية والفلسفية حول تفسير الأحلام؛ فإن قطاعا كبيرا جدا من المسلمين ما زال - وللأسف الشديد- يَرْجَعُ في ذلك إلى الكتب القديمة التي تخالف العقل والعلم، وخاصة كتاب "تفسير الأحلام" المنسوب لابن سيرين، وإلى علماء الدين الذين يعتمدون وبشكل خاص على الكتب القديمة وبعض التفسيرات الدينية الغيبية. وانتشرت البرامج الخاصة بتفسير الأحلام في أغلب القنوات الفضائية الدينية وغيرها، حتى أصبحت تجارة رائجة وتدر الأموال الوفيرة على أصحابها من جيوب الناس الطيبين، الذين يبحثون عن رضا الله أو الجنة، أو مجد زائف عن طريق الأحلام.

تعليق عبر الفيس بوك