ليس دفاعا عن الموقف العماني من "عاصفة الحزم"

 

عبيدلي العبيدلي

مُنذ بدء "عاصفة الحزم" لم تتوقَّف مُعالجات الموقف منها عن الطفو على سطح المواد الإعلامية -التقليدية منها والحديثة- وحَظِي الموقف العُماني من تلك "العاصفة" بالكثير من معالجات تلك المواد. ولا أدَّعي أني قمتُ بمسح علمي شامل يُغطي كل المعالجات، لكن بوسعي القول إنَّ جل ما وقع تحت يدي منها، انقسمَ إلى التعبير عن آراء فريقين مُنقسميْن بشكل واضح، ميَّز أحدهما مدخله عن الآخر.

انبرى الفريق الأول للدفاع عن الموقف العماني، وتبرير عدم مُشاركته الرسمية المباشرة في قوات "عاصفة الحزم"، وساقتْ تلك المشاركات الكثيرَ من التبريرات التي أباحت للموقف العماني عدم المشاركة تلك.

ومقابل ذلك، حاولتْ مُساهمات الفريق الثاني أن تكيل اللوم للموقف العماني، وتجرِّده من أي مُبرِّر يبيح له ما تمسَّك به من عدم المشاركة، مُعتبرة ذلك نوعا من الخروج على ما تكرسه اتفاقات ولوائح دول مجلس التعاون الخليجي.

خلت تلك الاجتهادات -إن جاز لنا الوصف- من أية مُحاولة -وتحاشيا للتعميم أستثني من هذا "الخلو"؛ أي مواد إعلامية لم يتسنَّ لي الوصول لها- لفهم الموقف العماني الرسمي، أو شرحه، بدلا من مجرد التصدي للدفاع عنه أو مهاجمته.

ولفهم الموقف العماني، لا بُدَّ لنا من العودة إلى التاريخ المعاصر؛ فليست هذه هي المرة الأولى التي تبدو "سلطنة عمان"، مع ضرورة التشديد على كلمة "تبدو"، وكأنها قد خرجت عن الصف العربي. فقد شاهدنا ذلك عندما تشكلت الجبهة العربية المخالفة لموقف الرئيس المصري الراحل أنور السادات عندما نادى بالصلح مع "إسرائيل". ليس القصد هنا الخوض في تقويم موقف السادات وما تلا ذلك من معاهدات الصلح مع العدو الصهيوني، بقدر ما أود التوقف عند الموقف العماني فحسب.

حينها تعرَّضت عُمان لمواقف نقدية لاذعة، جاء التاريخ كي يُثبت صحة الموقف العماني من مصر، ولا أقول سلامة موقف مصر من قضية السلام. بل ربما كان أحد عناصر انقلاب موازين القوى لغير صالح مصر في مُحادثات السلام تلك، هو استفراد إسرائيل بها بعد أن فشلت مصر في كسب الدول العربية إلى جانبها. اليوم، وبعد مضي ما يزيد على ثلاثة عقود على اتفاقيات "كامب ديفيد" المصرية-الإسرائيلية، ربما آن الوقت كي نقيِّم الموقف العماني من مصر، ولا أقول من تلك الاتفاقيات، بعيدا عن الانفعال العاطفي، ودون الخضوع للضغوط الإعلامية والسياسية التي تعرضت لها مسقط حينها. ربما سنجدُ بين العرب من سيغيِّر رأيه ومن ثم موقفه من السياسة العمانية تجاه مصر في تلك اللحظات الحرجة.

هذا على المستوى العربي الشامل. أما على المستوى الخليجي، فقد أسيء فهم الموقف العماني عندما برزتْ دعوات الانتقال من الحالة الفيدرالية، أو التنسيقية الحالية لدول مجلس التعاون، إلى المستوى الاتحادي الاندماجي. حينها انبرتْ "السلطنة"، كي تؤكد أنها ليست ضد الاتحاد، لكن الوقت لا يزال مبكرا، ومن ثمَّ فلم يكن موقفها الذي بدا وكأنه مُخالفا، ومن ثم مُعارضا للفكرة، بقدر ما كان مُحذِّرا من التوقيت.

واليوم تتكرَّر الحالة، وإن اختلفتْ الظروف والقضية. ولفهم الموقف العماني، ينبغي العودة لتصريحات الكثير من المسؤولين، وفي المقدمة منهم مُهندسو السياسة الخارجية العمانية، كي نكتشف أنها تقوم على ثلاث ركائز أساسية:

1- أنَّ من الخطأ قياس ثقل أي عضو من أعضاء مجلس التعاون الخليجي بحجم ثروته النفطية فقط، فحجم الدول والحيز الذي تحتله في العلاقات الدولية، بما فيها تلك التي تسيرها روابط سياسية اتحادية، تحدِّده عوامل كثيرة، ليست الثروة المالية سوى واحدة منها. فهناك العمق التاريخي، وإلى جانبه يقف الثقل السكاني، وفوق هذا وذاك هناك الامتداد الجغرافي. ولو نظرنا إلى السلطنة في محيطها الخليجي، سنكتشف أن هناك إجحافًا بثقلها السياسي؛ الأمر الذي يجعل من أي موقف مُتميز تلجأ إليه يعد كأنه خروج عن الصف.

2- هُناك عناصر مُختلفة تحكم العلاقات العمانية-اليمنية، تتباين في جوهرها وطبيعتها، ومن ثمَّ مُتطلبات الحفاظ عليها، عن تلك التي تحكم أية دولة عربية أخرى، بما فيها دول مجلس التعاون الخليجي مع اليمن، ومن ثمَّ فمن الضرورة بمكان أن يؤخذ هذا التميز عند اتخاذ أي موقف يمس اليمن. والحديث عن هذا الاختلاف الذي يتحكم في نسيج العلاقات العمانية-اليمنية، يُفسر الكثير من موقف عمان من "عاصفة الحزم".

3- مدخل مسقط في فهم العلاقات العربية-الإيرانية؛ حيث ترى مسقط أنه مهما كانت خلافاتنا مع إيران، لكن تبقى هذه الأخيرة عضوا يصعُب بتره من منظومة العلاقات الإقليمية الخليجية، دون أن يعني ذلك التفريط بعروبة الخليج، أو حتى المساس بسيادة أي من دوله. وأكثر من ذلك دون القفز على عناصر التنافس العرقي، وفي حُقب تاريخية معينة، كما هو حاصل اليوم، المذهبي مع طهران. كل ذلك يدعو إلى التمييز في العلاقات بين الدول العربية الخليجية، بما يجمعها من تاريخ مشترك، وقيم حضارية متكاملة، وبينها مجتمعة وبين إيران، دون أن يقود هذا التمييز إلى أن تكون لغة الحرب هي اللغة الوحيدة التي ينبغي أن تنظم العلاقات الخليجية العربية مع مسقط.

وعليه؛ يبقى المطلوب قبل اتخاذ موقف يؤيد أو يشجب السياسة الخارجية العمانية -بما فيها تلك التي تنظم العلاقات مع دول مجلس التعاون في إطار منظومة ذلك المجلس- السعي لفهم هذا الموقف العماني، وقراءة آفاقه؛ فلربما نكتشفُ أنَّ في ثناياه الكثير من الحكمة التي تستحق المراجعة، والتي لو قدِّر لها أن توضع تحت المجهر الموضوعي أن تجنِّب العرب الكثيرَ من الخسائر، دون أن يعني ذلك أنَّ كلَّ ما تقوله السلطنة حقٌّ لا يأتيه الباطل من أمامه ولا من خلفه.

المطلوب هنا هو القراءة الموضوعية البعيدة عن الانفعال للسياسة الخارجية العمانية، قبل الاندفاع لشجبها أو التصدي لتبريرها.

تعليق عبر الفيس بوك