ماذا بعد "عاصفة الحزم"؟

مروان الذهلي

لعلَّ الحالة التي وصل إليها اليمن اليوم هي نتيجة إهمال إقليمي لهذا البلد العربي الكبير بشعبه، المنهك من الحروب والفقر.. اليمن كان ضحيَّة صراعات إقليمية ودولية على مدى العقود الماضية أو أكثر من ذلك. ما أعنيه في هذه السطور هو اليمن بعد ثورة 11 من فبراير 2011م، ضد نظام الرئيس علي عبدلله صالح الذي ظلَّ يحتفظُ بقبضته القبلية لمعظم قطاعات الجيش اليمني المتهالك. فصالح بعد أن ترك قصر الرئاسة بشروط ساهمت أكثر دول الخليج في صياغتها فيما سُمِّي بـ"المبادرة الخليجية"، خرج محصَّنا من كل مُحاسبة قانونية على ما أقدم عليه إبان حكمه، صانعا حول نفسه سياجا يحميه ويمنحه فرصة ليعود إلى قصر الرئاسة مرة أخرى.

انشغلتْ دول الجوار صاحبة المبادرة الخليجية عن اليمن، وتركته يغرق في مشكلاته التي أصابتْ حكومته الوليدة بالوهن والضعف، فانتهزت قوة إقليمية متربِّصة الفرصة لدعم حلفائها الحوثيين، أمدَّتهم بالمال والسلاح والخبراء؛ الأمر الذي جعل من شيوخ صعدة يتمدَّدون في اليمن ويتصالحون مع عدو الأمس علي عبدالله صالح، الذي بدوره سخَّر لهم أغلب قطاعات الجيش اليمني ليسهِّل سيطرتهم على محافظات الشمال حتى وصلوا صنعاء التي دخلوها في 21 من سبتمبر 2014م، فحاصروا الرئيس الضعيف وأجبروه على الاستقالة ووضعوه ورئيس الوزراء رهن الإقامة الجبرية وسيطروا على مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسة العسكرية، هنا استيقظت دول الجوار من غفوتها واستشعرت الخطر الذين كانوا جزءا من صناعته بسبب إهمالهم وانشغالهم عن اليمن.

فكانت "عاصفة الحزم" بعد أسابيع من فرار الرئيس عبدالهادي منصور إلى عدن. وإن كانت بعض دول الخليج ترى في هذه العاصفة ضرورة حتمية لكي توقف المارد الحوثي من التمدد على حدودها، لكن الأهم هو هل بعد العاصفة سكون؟ ومن يصنع هذا السكون؟

... إنَّ تشكيلة اليمن القبائلية مُعقَّدة جدًّا، وتحالفات أطراف النزاع فيها مُتشعِّبة ومُتداخلة، وللفقر والأمية يدٌ طولى في توجيه هذه التحالفات. لذا؛ فإن صناعة السكون بعد العاصفة يكون برعاية مصالحة بين الفرقاء، وتشكيل حكومة توافق وطني مؤقتة، ودعم مالي سخي من دول الخليج لإنشاء دولة عصرية في اليمن، ذات بنية أساسية متطورة وجيش وطني قوي واقتصاد يحمي الدولة الناشئة ويغنيها من استجداء المساعدات. ولا بد أن يصحب ذلك كله حوار جاد مع الجارة إيران، ورسم تفاهمات طويلة الأمد معها. فالجلوس والتفاهم والتفاوض مع إيران ورسم سياسات المنطقة بشكل متزن يحفظ لكل حقه وحدوده أولى من اتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني.

تعليق عبر الفيس بوك