الحرب والأخلاق

جعفر الشايب

على الرغم من أنّ خيار الحروب هو من أكثر الخيارات صعوبة على التبرير والقبول لما ينتج عنه من خسائر وأضرار بشرية ومادية من الصعب التحكم فيها وتحديدها، إلا أنه من الضروري التذكير بأنّه حتى في مثل هذه المواقف الصعبة يمكن أن يسود التعامل الأخلاقي والإنساني فوق حالة الانفعال والعدوانية.

الحرب التي يخوضها نسور الوطن هذه الأيام، نسأل الله لهم السداد والنصر، يمكن أن تكون أنموذجًا معاصرًا للتعامل الإنساني وتحكيم الأخلاق على مختلف المستويات العسكرية والثقافية والاجتماعية.

الكثيرون بالطبع يستغلون هذا الحدث الجلل بصورة مندفعة، غير مراعين الأبعاد والجوانب الإنسانية فيه. فالحروب مهما صغرت ينتج عنها ضحايا من المدنيين الأبرياء الذين لا ذنب لهم إلا وجودهم في مناطق الحرب، وأكثرهم لا يتمكن من النزوح لمواقع أخرى وخاصة الأطفال والنساء وكبار السن.

التشريعات الدينية وبعدها اتفاقيات جنيف وضعت ضوابط للمعاملة وقت الحروب، وجعلتها معايير أخلاقية وقانونية ملزمة للدول الموقعة عليها. وقد صدرت بعد الآثار المدمرة التي خلفتها الحروب العالمية على الإنسانية وألحقت بها بروتوكولات لحماية المدنيين والأسرى والضحايا وسبل التعامل معهم. وتؤكد هذه الاتفاقيات الأربع على احترام حياة الفرد والحفاظ على كرامته، فلجميع من يعاني ويلات الحرب الحق في المساعدة والرعاية من غير تمييز.

لعل ما يهمنا هنا إضافة لما سبق هو الموازنة بين الأهداف المعلنة للحرب وبين من يريد توسيعها وجعلها مبررًا للتشفي والعدوانية والانتقام من الآخرين، فكما هو واضح بأن الهدف المحدد هي المليشيات المسلحة في اليمن وما تملكه من أسلحة كي تعود إلى طاولة الحوار مع القوى السياسية الأخرى والاحتكام للحلول السلمية.

البعض يريد أن يجعل من هذه الحرب معركة مذهبية وتوجيهها وكأنّها ضد أتباع المذهب الزيدي المعترف به في مؤتمر مكة كأحد المذاهب الإسلامية الثمانية، حتى إنّ بعضهم اعتبرها جهادا ضد المشركين والكفار. إن التوظيف المذهبي للحرب له أضراره الكبيرة وآثاره السيئة والخطيرة في بناء واستمرار علاقة متماسكة وإيجابية بين الشعبين الجارين.

الإثارة أيضا تجاوزت حدود الحرب لشن تعبئة وأحاديث مثيرة ضد أبناء اليمن المقيمين بيننا داخل المملكة والتشكيك فيهم والتحذير منهم، وهو أمر مستنكر ويعبر عن حالة من الهيجان وانعدام التوازن. ولعل الكثيرين منهم هم ضحايا تردي الأوضاع السياسية والعسكرية في بلادهم وليس لهم يد فيما يجري هناك.

من أجل تعزيز الأبعاد الأخلاقية في هذه الحرب ينبغي الإعداد لتشكيل فرق وهيئات إغاثة للمدنيين والمتضررين والنازحين، وكذلك جماعات طبية تساهم في التخفيف من آلام المصابين والجرحى. كما أنه من المهم العمل على إعادة بناء وترميم المواقع المدنية التي قد تكون تضررت من القصف كالمدارس والمنازل والمباني الحكومية والخدمية، وتوفير مخيمات مؤقتة للنازحين من مواقع الحرب.

مهما كانت قساوة الحرب وآلامها، لكننا يمكن أن نجعل منها مدخلا للتعامل الأخلاقي والمساهمة الإنسانية التي تتسامى على الخلافات، وتنبذ العصبيات، وتعيد التوزان، وتقلل من الاندفاع الأعمى لدى البعض.

تعليق عبر الفيس بوك