الرأي العام

مريم العدوي

تعج وسائل التواصل الاجتماعي من فيسبوك وتويتر وحتى الواتس آب بل وكل أماكن تجمع الناس من مدارس وجامعات وأماكن عمل بأحاديث الساعة، مرة حول الحروب وأخرى حول القضايا التربوية والاجتماعية الطافية على السطح، وفي ظل كل هذه الدوامة نجد أن ما طرأ على الساحة التكنولوجية والمعلوماتية من تطورات مذهلة ساهم كثيراً في دعم عجلة هذه الدوامة الطاحنة فأصبح باب المشاركة في مختلف القضايا مشرعاً أمام من يريد، صغيراً كان أو كبيراً، جاهلاً أو عارفاً حتى أصبح لدينا الكثير من صنف: "بتاع كله"، فتجد هذا الصنف من الناس يميلون مع كل موجة، فهم خبراء السياسة والطقس والاقتصاد... وإلخ

والسؤال الآن... هل يمكن اعتبار كل هذا اللغط الحادث ممثلاً للرأي العام؟

بداية يقصد بالرأي العام "تكوين فكرة أو حكم على موضوع أو شخص ما أو مجموعة من المعتقدات القابلة للنقاش وبذلك تكون صحيحة أو خاطئة. حيثُ يخص كل رأي عام أعضاء في مجموعة أو أمة تشترك في الرأي رغم تباينها الطبقي أو الثقافي أو الاجتماعي، فيعرض ذلك مع الرأي الخاص الذي يشير إلى أمور ومسائل شخصية تتعلق بفرد واحد. كما يعرف الرأي العام كذلك على أنه التعبير العلني والصريح الذي يعكس وجهة نظر أغلبية الجماعة تجاه قضية معينة في وقت معين". وللرأي العام أقسام عدة منها: العفوي والتحصيلي والخامل والفعّال والمؤقت والكلي والباطني والظاهري. كما يرتبط الرأي العام بعدة عناصر وهي: الناس والمعرفة والقيم المشتركة والسلوك والأحداث والوقائع والمعتقدات والأرض والعادات والاتجاهات والميول والأسرة والمدارس وحتى الخرافات والأساطير وكذلك القادة. كما يتأثر الرأي العام كثيراً بالإشاعات والإعلام، حيث يعمل الاثنان على تغيير اتجاه الرأي العام بوسائلهما المختلفة.

إن العشوائية التي تصدرها لنا وسائل التواصل الاجتماعي في هذا الصدد لا يمكن البتة أن تكون خلاّقة وتخرج لنا برأي عام يمثل مجموعة من الجماهير، وكل هذه الفوضى التي ما تلبث أن تثور إلا وتخمد ثانية تجاه مختلف القضايا ما هي إلا ثرثرة لا طائل منها. وهذا لا يعني أن يكون هناك جدار عازل بين الناس والقضايا التي تمسهم ولكن يعني بأن على الإنسان أن لا يفتي ويتدخل في شأن لا ناقة له فيه ولا جمل، بل ولا يساهم في نقل الأخبار التي لا طائل منها ويجعل شغله الشاغل فيما يخصه فقط. ويقول الله جلّ وعلا في محكم آياته: (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) الآية 6، سورة الحجرات، فما بالنا اليوم نتلقى مئات بل آلاف الرسائل التي نتسابق في إرسالها دون أن نتبين أن نصيب أقواماً وأفراداً بجهالة دون حشية أن تدور دائرة الزمان علينا.

إن الرأي الذي مصدره من لا يعي والمبني على العواطف والآراء الشخصية والذي لا يستقري الساحة ويحللها كما يجب لا يمكن أن يمثل رأياً عاماً أبداً. إنه لمن المضحك أن نسمع لغط من يخططون لحكومات وأمم ويدّعون قراءة الأحداث وفهمها عِوضاً عن أن يلتفتوا إلى قضاياهم الشخصية التي سيسألون عنها.

إن المشكلة التي تتفاقم الآن تكمن في أن كمية اللغط الحاصل يشكل ركاماً يغطي حقيقة الرأي العام للأمه بل وينهي الأمر بإخفائه تماماً، أو انعدام مصداقيته، تخيل معي فقط ... أمه يقودها اللغط بدلاً من الرأي العام الثابت والسديد! ومن جانب آخر إن هذا الأمر يفتح الكثير من الثغرات لمن يريد الاصطياد في الماء العكر. (الرأي العام هو أكبر كذبة في تاريخ العالم) هكذا يرى توماس كارليل، لفرط ما شوه الإعلام والإشاعات الرأي العام في زمانه وأثر في اتجاهات الناس فماذا عساه يقول لو جاءه خبر ما بتنا نملك اليوم من ادعاءات حول الرأي العام؟!

تعليق عبر الفيس بوك