الوطن العربي المريض

هلال بن سالم الزيدي

لم تكن أمنيتك يا بن جوريون حُلمًا ولم تأتِ في الكرى أو في خلسة المختلس.. بل واقع بأكثر مما تتمنى وتحلم ذات يوم .. فدافيد بن غوريون، مؤسس دولة الاحتلال، قال مقولته الشهيرة والخبيثة: «عظمة إسرائيل تكمن في انهيار ثلاث دول، مصر والعراق وسوريا».. وأنا أقول كل العرب سقطوا ومن دماء بعضهم البعض شربوا .. ومن لحوم الإنسانية نهشوا .. فحقاً هي عظمة اليهود اليوم .. لأن دماءنا وصلت إلى الركب .. كأنها نوع من الطرب كالذي يشتهيه العرب..

طبول الحرب قُرعت وشرعت والطائرات والبوارج قصفت وفتت ودمرت.. والناس بين هارع بارع وبين قابل وممانع لما وقع ومنه أُفجع، فامتنع عمّا سمع فاستجمع قواه حتى مثواه.. وطاوع حلمه وهواه .. ففكر وقرر ثمّ قرر وفكر في قدر مسطّر إلى حيث المفر.. فلا مفر ولا مقر.. ولا حتى حفنة من قش بها يستتر.. فإما الانجرار في هول سيل العرم أو الانحياز لرائحة الدم.. التي ماجت موج البحر وفتت أعتى الصخر، فلا سبيل ولا مناص مما عظم وعاص.. وبالأمة سار وعاث.. فأصبح أثرًا بعد عين.. فانحدر الخُلق ثم اندثر.. فظهر ما استتر، فلا جدار ولا ستار ، وحل الضرر والضرار فنخر السوس بقايا الحجاب ولم نستطع وصد الأبواب.. لأن قرع الطبول في أسماعنا تجول وفي أحداقنا أنهار وسهول.. تشتكي رمد مؤبد.. فهل من نصير ينتصر؟

يهود وصليبيون جاءوا يهرعون وإلى حضارتنا يركضون وهم على مخططاتهم عازمون ونحن غافلون نائمون.. متخلفون راجعون.. بالمذاهب متفرقون.. فأصبحنا أفرادًا قليلين.. نقدم بعضنا البعض قرابين لإرضاء المنافقين الشياطين بحكم السلام وشمّاعات الوفاق والوئام لرجال لئام الذين أوقدوا نارا ضرام ، قضت على أواصر الأخوة الكرام، وغلبنا النعاس فأصبحنا نيامًا..

زرعنا الكره والانقسام .. وفسدت الأخلاق.. من الشمال حتى الجنوب إلى العراق .. فمجّدنا العريّ في جسد المرأة وقلنا حرية وانفتاح .. فكانت اللغة مائعة في الانسلاخ والانبطاح.. فتجاهلنا تراث سيبويه في زمان (العالم نفطويه) لأنهما ضدان لا يستويان إلا بلغة (الهاي باي) حتى يقال لنا (متكلشرين أي: مثقفين) ومنها سبقناهم إلى قصص الغرام ورقصات الضياع في إبراز ما تخفيه الأجساد من صدور وأفخاذ.. فرقصنا ثمالة.. واحتفلنا مهانة.. فتملكتنا الحفاوة.. فلم نفرق بين المرارة والحلاوة.. فمن تأنث تطور ومن ترجلت وكشفت تحررت.. فحاق الفساد بين الرفاق.. وطوقت الأعناق بالسلاسل والترياق.

لم نعرف ماهية الحرب .. فانتشر الجرب.. فاغتربت الأفكار وذابت الثقافة الأصيلة، في عنفوان الثقافة الغربية البغيضة.. ذات السم القاتل المغطى بالعسل.. المميت ببطء .. فشربناه حتى آخر قطرة .. متلذذين بطعمه ومنتشين بنتائجه التي لم تُظهر إلا العيوب وتفتت ما في الجيوب.. فصرنا رجعيون، يرمز لنا ببراميل النفط محمولة على ظهور الإبل.. فيقال عنّا أصحاب التخلف لأننا أعراب حفاة لا يعرفون قيمة الحياة، فخجلنا من ذلك ليشكلوننا هم على جريرتهم لنكون معبرا لمخططاتهم .. أو ليس فينا رجل رشيد عن الحق لا يحيد؟؟.

طبول الحرب لا يقف قرعها ولا تختلف أشكالها وأنواعها.. وبالرغم من ذلك كله صرنا لها مروجين وبها مستأنسين.. نحيك الخطط بالضد، ونبني عادات بالية في مؤداها.. هدّامة في نواياها، فتبعثرت أجيالنا.. وأعوج لساننا فذهبت لغة الضاد في مغبة التجديد واللحاق بركب التخلف الغربي الذي قيل لنا بأنه هو التمدن.. فرحمة على تراثنا التليد الذي أصبح أنشودة على لسان الراقصات المشمرات عن سيقانهن المثخنات بالمساحيق والأصباغ ..

تحدثنا عن المفاعلات النووية فقيل لنا إنكم تحتضنون الإرهاب وعليكم بالديمقراطية.. فجاءوا ويا ليتنا لم نصدقهم .. تحولوا بعدها إلى مخاطر القرصنة لتحتل البوارج الحربية بحارنا وتدوس على حضارتنا البحرية.. ثم جاءت الثورات (الربيع العربي) جُلها صغيرها وكبيرها جزء من المخططات التي أوجدت المليشيات.. نعم إنهم يخططون ويخترعون الحجج لبقائهم.. نهبوا واستنزفوا ممتلكاتنا بحكم الحماية.. فيا لها من حماية ليست لها نهاية.. لم تعد جيوشنا الجرارة قادرة على الحماية.. ولم تعد قدراتنا في التسلح كافية لتحقيق الأمن والاستقرار.. وذلك حتى يدوم الاستعمار... فجيوشنا العربية كانت قوية فاعلة .. وباتجاه العربي شاخصة .. تدك الحصون دكا .. وتهوى الدم العربي.. فوطننا العربي مريض مرير.. فهو أعمى ضرير .. وإلى مثواه الأخير يسير.

كلٌ يغنى على هواه، ولا يرى في الأفق سواه .. فيبيح لنفسه الحل والعقد .. والأخذ والمنع .. فلم يفطن إلى تلك العلامات الظاهرات البارزات في أفق الحياة .. بأنها نهاية انهيار ولدول كثيرة ستغوص في لجة دون قرار ..

عندما نريد أن نتوحد ونردم هوة الخلاف.. تظهر لنا مؤشرات عدم القدرة على ذلك من خلال سفاهة الأقوال عند البعض.. لنتحول من قضية حماية الدين والعقيدة إلى قضية مبدأ الشخصانية والانتصار للذات، لتبدأ مسلسلات الحقد والكراهية وربط الدين والجهاد بالإرهاب، وزعزعة الأمن.. والتوغل في المذهبية المقيتة.

ظهور الكثير من الجماعات والرموز في شكل مافيات سياسية أربكت الاستقرار العام وأوجدت تصنيفات بحسب الأهواء والتوجهات، فهذه الجماعات تقوم على أنقاض جماعات وحكومات أخرى كانت مدعومة في فترة زمنية وتكون مستهدفة في كثير من الأوقات في حالة خروجها عن الخطة المرسومة وفي حالة عدم تقديم الولاء والطاعة عبر الحسابات البنكية لمن يقف خلف هذه العصابات المؤسسية من كافة نواحيها.

يقولون ويتحدثون ويهرفون بما لا يعرفون.. فهم ثُلة من الناس ينساقون مع التيار ويكونون لسان أسيادهم، فمن كثُر كلامه قل فعله.. ومن قل فعله ضعفت قوته، ونُهش جسده.. وحدوا الكلمة والفعل حتى يكون لكم وجود.. وسخروا أسلحتكم بشيء مفيد..

متى ننتصر لذاتنا؟ ومتى نكبح قرع الطبول؟ ومتى نستطيع أن نقول كفى؟ ومتى نفيق من غفلة ونوم مشتهى؟ فما أجمل الأمنيات في لحظتها، وما أتعس النتائج في واقعها، فليس ما نتمناه ندركه لأن أشرعتنا تسير عكس التيار.. لا مخلّص لنا من وحل الاستعمار إلا الوحدة.. ولا سبيل للوحدة إلا التمسك بكتاب الله وسنة نبيه المصطفى، فمتى ننبذ الجحود لنعود إلى الوجود؟.

*كاتب وإعلامي

abuzaidi2007@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك