معركة اليمن والتشظي العربي

عبيدلي العبيدلي

على نحو مباغت تتطلبه شروط شن الحروب، وبشكل مخالف للتريث الذي يحكم الدبلوماسية السعودية، انطلقت قوات التحالف من قواعد عسكرية مختلفة كي تنقل خطة "عاصفة الحزم" من ردهات غرف العمليات الحربية إلى أرض المعركة التي ربما لن تكون محصورة في الأراضي اليمنية.

وبعيدًا عن التصريحات الرسمية من الأطراف الضالعة، بشكل مباشر أو غير مباشر في هذه المعارك التي يصعب التكهن بالصورة النهائية التي ستؤول لها نتائجها، يمكننا القول إنها مواجهة تأخذ أكثر من بعد، وتتجاوز حدودها السياسية منطقة الجزيرة العربية، وربما الشرق الأوسط.

فالقراءة الصحيحة لها تقول، إنها على المستوى الدولي مواجهة واضحة بين المعسكر الروسي من جانب والتحالف الأمريكي من جانب آخر. هذا ما تكشفه التصريحات الصادرة من العاصمتين: موسكو وواشنطن.

فروسيا التي تحاول أن تضفي على موقفها شيئًا من التحفظ، سارعت إلى "حث (جميع الأطراف) على وقف الأعمال القتالية، وأعربت عن استعدادها للمساهمة في تسوية الأزمة اليمنية. ودعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في محادثات هاتفية مع الرئيس الإيراني إلى وقف فوري لإطلاق النّار في اليمن".

أما الصين، فقد اكتفت بالإعراب عن "معارضتها للعملية، وقالت إنها قلقة للغاية من تدهور الوضع في اليمن، ودعت كل الأطراف إلى الالتزام بقرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة باليمن، وحل النزاع عن طريق الحوار".

أما واشنطن فقد جاء على لسان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قوله إنه "أجاز تقديم مساعدة لوجستية ومخابراتية لدعم العملية العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن لدحر مقاتلي جماعة الحوثي". كما أكدت واشنطن تشكيل "خلية تخطيط مشتركة مع السعودية لتنسيق الدعم العسكري والاستخباراتي فيما يتعلق بالعملية العسكرية".

بريطانيا من جانبها أيدت "عاصفة الحزم"، و"أبلغ رئيس وزرائها ديفيد كاميرون الرئيس الإيراني حسن روحاني بأنّه لا ينبغي لدول أخرى أن تدعم المتمردين الحوثيين في اليمن". وجاء موقف فرنسا مشابها للموقف البريطاني، حيث أيدت باريس الهجوم، وقالت في بيان للخارجية الفرنسية "إن العملية ستعيد الاستقرار والوحدة لليمن".

وعلى المستوى الإقليمي نجد أن إيران "عارضت بقوة، وأدانت العملية، ووصفتها بـالخطوة الخطيرة، قائلة إن (العدوان العسكري السعودي) سيزيد تعقيد الأزمة في البلاد، وطالبت بوقف العملية فورا". وعلى نحو مواز سارعت أنباء "تسنيم" الإيرانية، إلى القول "إن مصادر دبلوماسية أوروبية أعلنت قلقها من تقارير استخباراتية تتحدث عن مشاركة مقاتلات إسرائيلية في الهجوم على العاصمة صنعاء وصعدة".

الملفت للنظر هنا ذلك الموقف الصهيوني "المتمسكن"، حيث اكتفت تل أبيب بالإفصاح عن "حالة من الترقب على المستوى الرسمي في إسرائيل، إزاء تطورات الأوضاع في اليمن، وأن ثمة مخاوف من تأثير العمليات العسكرية على الاقتصاد الإسرائيلي، وبخاصة فيما يتعلق بالتوتر في مضيق باب المندب، الذي يربط بين المحيط الهندي وبين البحر الأحمر، والذي يشكل ممر الملاحة الرئيسي للحركة الوافدة من وإلى ميناء إيلات والمناطق السياحية". وأعربت عن "مخاوف يهود اليمن من الأحداث الحالية."

بطبيعة الحال الدول المشاركة في قوات "عاصفة الحزم"، موقفها واضح، ولا يحتاج إلى استعراض.

من الناحية العسكرية، وإذا ما جرت المقارنة بين موازين القوى القائمة على أرض المعركة، فمن الطبيعي أن تحقق عمليات "عاصفة الحزم"، انتصارات سريعة خاطفة على قوات التحالف الحوثي، لكن ذلك لا ينبغي أن يقودنا إلى نتائج خاطئة إلى أن هذا الانتصار الخاطف، سيتلوه مكاسب سياسية تعيد لليمن استقراره، وتجنب المنطقة تداعيات حروب تأخذ أشكالاً غير تقليدية، تشترك فيها بشكل مباشر قوات عربية، وتدعمها بغير مباشر قوى عالمية وإقليمية.

فمن غير المتوقع، أن تقبل طهران بهزيمة نهائية لمشروعها الإقليمي الذي يقوم على إنهاك الطرف العربي من خلال الزج به في معارك داخلية متناثرة متواترة تمتد على مساحة شاسعة تمتد من جنوب لبنان، وتمر بدمشق، وتعرج على بغداد، ولا تتوقف عند صنعاء. وبقدر ما يطول أمد هذه الحرب، وتتشعب أشكال معاركها، بقدر ما يتاح للمشروع الإيراني الشرق أوسطي أن ينمو ببطء وبأقدام راسخة.

يحقق المشروع الإيراني مكاسب خطيرة أخرى جراء انقسام الشارع العربي عموديا، على أساس طائفي. وهذا ما لمسناه لحظة انطلاق السرب الأول من طائرات "عاصفة الحزم"، حيث تشظى الرأي العام العربي، بين مؤيد بالمطلق للهجوم على اليمن على أساس أن هذا دعم للشطر السني، وآخر شاجب له لكونه يوجه ضربة موجعة للنهوض "الشيعي"، الذي يمثل التقدم "الحوثي" أحد رؤوسه المنتصرة.

في غمرة هذا الانقسام الطائفي، شاء الطرفان أم رفضا، وأدركا ذلك أم لم يدركاه، تراجع المشروع العربي، وتقلص الانتماء العربي، الذي يتوقع له أن يتسارع أنينه تحت ضربات الانشطار الطائفي الداخلي. فبعيدًا عن النتائج التي سوف تتمخض عنها المعارك القادمة التي ستعرفها الساحة اليمنية، فمحصلتها النهائية، ستكون وضعا عربيا منهكا غير قادر على التصدي لأيّ مشروع إقليمي من شأنه إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط، يتناقض والمصلحة العربية الكبرى.

فتطور الأحداث كله يؤكد أن إيران لن ترتكب حماقة تجر أقدامها إلى أرض المعارك اليمنية، وستكتفي بالضغوط السياسية لصالح حليفها اليمني من جهة، والدعم العسكري غير المعلن له من جهة أخرى. وسوف تجير طهران في هذه المعركة كل تحالفاتها الدولية والإقليمية كي لا تنتهي المعارك بهزيمة لمشروعها الشرق أوسطي في ساحة استراتيجية مثل اليمن.

وعليه فمن المتوقع أيضاً أن تواصل طهران على نحو مواز ضغوطها السياسية على هامش محادثاتها النووية التي تحقق من خلالها مواطئ قدم، ربما تكون بطيئة، لكنها راسخة وتحقق تقدمًا لصالح الطرف الإيراني. والمحصلة النهائية لنتائج هذه الحرب، بغض النظر عن نهاياتها العسكرية المباشرة فوق الساحة اليمنية، ستكون المزيد من الانقسام العربي الذي يحول العرب إلى طرف متلق، وليس مشاركا في أي مشروع مقبل للشرق الأوسط الجديد.

تعليق عبر الفيس بوك