فرص نجاح مؤتمر "مستقبل مصر" على صفيح ساخن

عبيدلي العبيدلي

زخرت مواقع الإنترنت بمساحات واسعة تتحدث عن النجاحات التي حققها مؤتمر "مستقبل مصر" الذي تم افتتاح أعماله يوم الجمعة الموافق 13 مارس 2015، واستمرت جلساته حتى الأحد 15 من الشهر ذاته، من حيث حجم الاستثمارات التي يتوقع لها أن تتدفق على السوق المصرية خلال الفترة القادمة.

جاء ذلك على لسان أكثر من مسؤول مصري، فقد أكد رئيس مجلس الوزراء المصري إبراهيم محلب، "أن حجم الاستثمارات المتدفقة، خلال مؤتمر (مستقبل مصر) يفوق التخيلات".

وعلى نحو موازٍ أشار وزير الاستثمار المصري أشرف سالمان "إن القيمة الإجمالية لاتفاقات الاستثمار والتمويل التي وقعتها الحكومة المصرية قد بلغت نحو 33 مليار دولار. هذا إضافة إلى مذكرات تفاهم لم تصل إلى مرحلة الاتفاقات النهائية بعد، بقيمة 92 مليار دولا، (مضيفاً)، أن قيمة المنح والمساعدات تجاوزت 17 مليار دولار، منها 12.5 مليار من 4 دول خليجية، و5 مليارات من دول أوروبية".

بعض التقارير "أشارت إلى أن إجمالي الاستثمارات التي تمّ الاتفاق عليها خلال المؤتمر، بلغت 124 مليار دولار، منها 65 مليار دولار لمشروعي إنشاء عاصمة إدارية جديدة لمصر، شرق القاهرة، إضافة إلى بناء مدينة سكنية ترفيهية في (6 أكتوبر)". وهناك من قدر "إجمالي قيمة المبالغ المذكورة بـ 142 مليار دولار".

كل ذلك جميل ومفرح، شريطة أن تذهب الأموال الاستثمارية إلى صناديق المشروعات التي رصدت تلك الأموال من أجل إنعاشها. في غمرة النشوة التي رافقت أعمال المؤتمر، كانت هناك قضية جرى طمسها، وهي مدى قدرة السلطة في مصر على تجاوز العقبات التي تترصد الاستثمار الأجنبي، وكانت سببا في تعثره، وهو أمر لم ينكره المسؤولون المصريون، بمن فيهم من يتقلدون أعلى المناصب في الدولة.

أول تلك الاعترافات جاءت على لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي في لقائه مع رئيسة مجلس اتحاد سيدات الأعمال العرب حصة الصباح، عندما أكد السيسي على "أن مصر تبدأ عهدا جديدا ليس فقط على الصعيد السياسي، وإنما على الصعيد الاقتصادي، بشكل شامل، وفي مقدمته قطاع الاستثمار، مشددًا على أنّ الحقبة القادمة لن تشهد أيّ معوقات بيروقراطية تم توارثها من الماضي، وإنما ستشهد تدشين منظومة استثمارية جديدة تتعاطى مع كافة مشكلات الماضي، تيسيرا على المستثمرين الذين يمثلون مساهمًا رئيسيًا في عملية تنمية الاقتصاد المصري".

سبقه إلى الإشارة للعقبات التي تثيرها مشكلات الاقتصاد المصري في وجه الاستثمار الأجنبي، رئيس وزرائه إبراهيم محلب، الذي أعلن، بحسب ما أورد موقع "أخبار مصر"، التابع للتلفزيون الرسمي، عن عزم حكومته على "تكوين مجموعة عمل في وزارة الاستثمار، لمتابعة تنفيذ المشروعات على مدار الساعة، وستبذل كل جهدها للقضاء على الفساد، وأيّ عوائق يمكن أن تقف في وجه تقدم مصر".

وبعيدًا عن الشهادات الرسمية، يمكن للمتابع لوقائع ذلك المؤتمر، التوقف عند ما أدلى به الخبير الاقتصادي رضا عيسى، عندما دعا "الجميع عدم رفع سقف الطموحات والتوقعات لنتائج المؤتمر الاقتصادي المنعقد، معتبرًا أن الإيرادات في اليوم الأول لم يظهر لها أثر فوري ومباشر في الاحتياطي من النقد الأجنبي، وسد جزء من عجز الموازنة".

لعل ذلك الواقع الذي يشكل نوعًا من التحدي أمام نقل اتفاقات المؤتمر إلى حيز التنفيذ، هو الذي دفع رئيس هيئة سوق المال الأسبق هاني سرى الدين، إلى مناشدة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى "ضرورة وضع ملفات الطاقة، والمياه، والتعليم، والإصلاح المؤسسي، على مكتبه، ومتابعتها يوميًا بنفسه باعتبارها قضايا أمن قومي، لافتًا إلى أنّه إذا شهدت هذه الملفات قصورًا أو إهمالاً، سيكون ذلك بمثابة الضربة القاصمة لمستقبل مصر لمدة ٥٠ عاماً على الأقل، (مضيفًا)، أن النجاح الحقيقي لـلمؤتمر يتمثل في توصيل رسالة بأن مناخ الاستثمار إيجابي، لافتاً إلى أن هيئة الاستثمار الحالية عاجزة، وأن معالجات تطوير المشروعات الصغيرة سطحية، (مؤكدا على) أن ما يظهر على الساحة من تحركات خلال الشهور السابقة ... يعكس غياب التنسيق بين الأجهزة المختصة، لذا قلت منذ البداية إن الأفضل لهذه الفترة هو إجراء تعديلات محددة على عدد من التشريعات التي تختص بتحفيز الاستثمار وتقضي على المشكلات المعوقة له ....لأن مشاكل الاستثمار ترجع إلى عدم تفعيل القانون وليس لسوء صياغته أو ضعف الأحكام به".

ولا تخرج مخاوف بعض المؤسسات الدولية التي ترصد واقع الاستثمار في العالم، ومن بينها مصر، عما أشرنا له أعلاه، حيث أشار تقرير الاستثمار الأجنبي المباشر لعام 2013 الصادر عن " FDI Intelligence" إلى انعكاس "التراجع في الاستثمار في المنطقة العربية على الاستثمار في مصر، فقد احتلت مصر المرتبة الرابعة بين الدول الإفريقية (وهو موقع متدن نسبيا) لتوافر بينة أساسية جيدة، والمرتبة الخامسة من حيث المقومات الاقتصادية".

من جانبها نقلت وكالة الأناضول عن خبراء اقتصاديين "وجود عوائق رئيسية قد تحول دون قدرة مصر على جذب الاستثمارات الأجنبية. ويرى المحللون والمستثمرون أن على مصر اتخاذ إجراءات قانونية سريعة لإزالة التحديات التي تعوق عودة الاستثمار الأجنبي المباشر لمصر، أهمها إصلاح القوانين والانتهاء من التصالح مع المستثمرين وإنهاء المشكلات القائمة بينهم وبين الدولة، وقضايا التحكيم الدولي".

كل ذلك يضع نتائج مؤتمر "مستقبل مصر"، على صفيح ساخن، ويجعلها تواجه تحديات مصيرية، تتعلق بالقوانين والأنظمة. كما أن هناك ما هو أخطر منها جميعًا، وهو موضوع اختلال الأمن والاستقرار الذي يلوح بقبضته من سيناء، وهو ليس عاملا محليا فحسب، إذ تحركه دوائر أجنبية ليست الأصابع الإسرائيلية سوى الأكثر وضوحًا بينها.

وفوق كل ذلك، هناك الأخطار النابعة من الواقع التنافسي الذي لا تستطيع أن تتحاشاه مصر، والذي بدأت تلوح معالمه من عواصم دول إقليمية منافسة، على المستويين الاقتصادي والسياسي من أمثال تركيا وإيران.

تعليق عبر الفيس بوك