أسماء القطيبي
يقول أنطوني جيدنز: "إن كل شخص تقريبا يواجه خيارات متنوعة وواسعة في الحياة تتمثل في طريقة قضائه لوقته، وطرق استهلاكه، وكيفية تصرفه إزاء المواقف التي يواجهها في الحياة، وطريقة تمثيل نفسه أمام الآخرين، مما يشكل في النهاية نمط معيشته". إن هذه الخيارات التي تحدث عنها جيدنز تأتي من مصادر عديدة، ولعل أشد هذه المصادر تأثيرا هو الإعلام. حيث انه يقدم قائمة منوعة من أنماط الحياة العصرية من خلال الإعلانات وبرامج الواقع والأفلام والمسلسلات. وهي بالطبع لا تمثل إلا جزءا من الحقيقة إلا أنها كافية لإحداث التأثير الذي تهدف إليه شركات الإعلام.
يتأثر المراهقون في سن الثالثة عشر فأكثر بالإعلام بدرجة كبيرة، يظهر ذلك في إعجابهم ببعض المشاهير وتقليدهم في طريقة اللبس والحديث، بل وحتى بهوس جمع كل ما يخص المشاهير من صور وأخبار، وتشكيل مجموعات يجمعها الإعجاب بالفنان أو الممثل مثلا، هذا الإعجاب المبالغ فيه قد يكون نابعا من رغبتهم في عيش الحياة المليئة بالأحداث والسفر المتواصل والمعجبين الكثر، أو إن الإعجاب بشخص مشهور يمثل وسيلة للوصول لشخصياتهم واهتماماتهم. فمثلا تميل الفتيات إلى الإعجاب بالممثلة الأكثر أناقة بالإضافة إلى إعجابها بأدائها أو بدونه، بينما يميل الشباب مثلا للإعجاب بالمغني الذي يملك أحدث السيارات وأكثرها فخامة على الإطلاق.
تطبيقات مثلInstagram وSnap Chat قربت حياة المشاهير لأول مرة من الناس، حيث انها مكنت الناس من الدخول لمنازلهم والتعرف على حياتهم الخاصة ويومياتهم، هذا القرب أكسب البعض شهرة أكبر، ففي مثل هذه البرامج كلما كنت أكثر تواجدا وتنوعا كلما كان متابعوك أكثر، بينما في المقابل قلل شهرة بعض الذين اعتبروا أن حياتهم الشخصية خط أحمر لا حق للناس في معرفتها، وفضلوا أن يتواصلوا مع معجبيهم من خلال أعمالهم التي تعرض في وسائل الإعلام التقليدية. ولكني هنا اتساءل عن مقدار مصداقية هؤلاء الذين يشاركون حياتهم بشكل يومي مع متابعيهم في تطبيقات الصور ومقاطع الفيديو ذات الثواني المحدودة ؟ هل حقا حياتهم تبدو كما يقومون بتصويرها، أم أنهم يختلقون الأحداث والمناسبات من أجل معجبيهم؟ وهل سيصمد الفنان طويلا في الحضور في هذه البرامج مع كل الضغط الذي يفرض عليه التواصل مع جمهوره بشكل دائم ومستمر؟
المشكلة أن غالب هؤلاء المشاهير من الطبقة الثرية في المجتمع، يظهر ذلك من الأماكن التي يرتادونها، والماركات التي يستعرضون مشترياتهم منها، والحفلات التي يقيمونها، وبالتالي فهم يمثلون نمط عيش ومستوى معيشه مرتفع، مما يسبب الإحباط لبعض المتابعين الذين يقارنون بين معيشتهم والخيارات المتاحة لهم وبين حياة هؤلاء. لذا فقد كان من الحكمة أن ينظر الإنسان لمن هم دونه في المعيشة ليشكر، و لا ينظر لمن هم أعلى منه معيشة فيكفر. الأمر الآخر أن مشاهيرsnap chat مثلا يصورون الحياة كما لو كانت سلسلة مستمرة من الإثارة والتشويق، وأن هناك دوما شيء جديد ومصادفة سعيدة، وهو أمر بدوره يشعر المتلقي بأنه يعيش حياة مملة وكئيبة، وبالتالي المزيد من الإحباط والإستياء.
الملاحظ أن متابعة هؤلاء المشاهير ليست حكرا على معجبيهم فقط، ففي مثل هذه التطبيقات كلما كان الشخص المشهور أكثر جرأة وشارك الناس كل تفاصيل حياته كلما كان أكثر متابعة، أما إذا بدا شخصا غريبا بتصرفاته وسلوكه فإن عدد متابعيه في هذه البرامج يكون أكثر من عدد معجبيه الفعليين بكثير، فبالتالي هذه البرامج ليست معيار تقييم حقيقي للشخص المتابَع، خاصة وأن غرض المتابعين غالبا التسلية وإشباع الفضول.
إن أنماط العيش التي تقدمها برامج الصوت والصورة لا يمكن أن تكون صالحة حتى للمحاكاة. وأغلب الظن أنها لا تستعرض إلا وجها واحدا كما كان يفعل الإعلام التقليدي، ولكن بشكل مكثف وشخصي أكثر، خاصة وأن المشاهير يتحكمون في ما يريدون مشاركته للناس وفيما لا يريدونه أن يظهر. واعتقد ان عمر هذه البرامج قصير وستبدأ شهرتها في التراجع شيئا فشيئا، بعد أن يمل الناس من مشاهدة يوميات لا تمت لواقعهم بصلة ولا تضيف إليه أي فائدة تذكر. ومن يدري لعل برامج أخرى تحطم كل الحواجز وتزيد التفاعل بين المشاهير والمتابعين في طريقها للظهور، أو لعل هذا الجنون الإلكتروني سينتهي قريبا ليعود الناس إلى أرض الواقع وإلى الالتفات لحقيقة حياتهم.