رحلة الأمان.. على أرض عمان

زاهر بن حارث المحروقي

عرفتُه منذ نعومة أظفاره مغامراً ومحباً للرحلات، وقد كان طوال حياته يبحث عن المغامرات الصعبة؛ ومن هنا وجد في الرحلات طريقة للاحتفال - حتى وإن كانت صعبة، فكان أن اختار عام 1983 ليحتفل بعام "الشبيبة" على طريقته؛ حيث قطع المسافة بين ولايتي نزوى وأدم بدراجته الهوائية في أول مغامرة من نوعها تتم في السلطنة؛ وها هو الآن يواصل مغامراته عبر "رحلة الأمان على أرض عمان"، وهو تجوال على ظهور الإبل من ساحة قصر العلم العامر بمسقط إلى قصر الحصن بصلالة... إنه الرحالة والمغامر "أحمد بن حارب المحروقي".

سيمر الرحالة أحمد المحروقي في رحلته هذه بـ31 محطة رئيسية في الولايات، إضافة إلى محطات استراحة، ومن المقرر أن يقطع ما يقرب من 1200 كيلومتر، وتتضمن الرحلة أربعة محاور أساسية، هي التذكير بماضي عمان القديم وما تمثله الهجن من أهمية؛ ثم التوعية المرورية، حيث يقارن الناس بين وسائل النقل في الماضي والحاضر، وضرورة المحافظة على الأرواح من خلال الاستخدام الأمثل للطرق وللمركبات الحديثة، وثم هناك هدف أسمى وهو إظهار نعمة الأمن والأمان في عُمان، حيث يستطيع الإنسان أن يقطع هذه المسافات الشاسعة في أمان، والرسالةُ التي يقصدها في ذلك الرحالة أحمد المحروقي، هي ضرورة محافظة الجميع على نعمة الأمن والأمان في عمان، والتي هي مسؤولية الجميع؛ كما أنّ المحور الأساسي يتمثل في التعريف بالمواقع السياحية والأثرية التي يمر عليها في ترحاله من خلال الترويج لها.

تُعتبر رحلة الأمان في أرض عمان التي يقوم بها حاليا الرحالة أحمد المحروقي، هي المرحلة الثانية من هذه الرحلة، والتي بدأت مرحلتها الأولى العام الماضي، حيث قطع فيها الرحالة مسافات شاسعة من الصحراء، على ظهر ناقتين هما "السميحة والهديرية" من ولاية بدية حتى محافظة مسقط، مروراً بمحافظات الداخلية والظاهرة وجنوب الباطنة، والتي بلغت حوالي الـ 500 كيلو متراً خلال شهر.. واستكمالاً لهذه الرحلة فقد انطلقت المرحلة الثانية من قصر العلم إلى قصر الحصن، والتي من المقرر لها أن تستمر ما بين 45 إلى 70 يوماً، حيث يقطع يومياً ما بين 50 و60 كيلومتراً على مدى ثماني ساعات دون توقف كبير.

لقد استعد الرحالة أحمد المحروقي لهذه الرحلة منذ فترة طويلة، بأن بدأ في قراءة الكتب التاريخية التي تناولت الرحلات السابقة التي قطعت صحراء الربع الخالي، وركز على كتاب "الرمال العربية" عن رحلة "ولفرد ثيسجر" الملقب بـ "مبارك بن لندن"، الذي قطع صحراء الربع الخالي مرتين في الفترة ما بين 1945و 1950، وهو الذي اعتُبر الأفضل في وصف رمال ودروب هذه الصحراء، وفي وصفه للبدو وطبيعتهم؛ ولم يكتف أحمد بهذا الكتاب فقط، بل تتبع كلَّ ما كُتب عن رحلات المستشرقين حتى يكون على دراية تاريخية كاملة حول الدروب التي سيقطعها وحول طبيعة الناس الذين سيتعامل معهم.

قد يتساءل البعض -وربما يكونوا محقين في ذلك- ما الذي يجعل إنساناً مّا يقطع هذه المسافات بالجمال -ووسائلُ النقل الحديثة والسريعة متوفرة الآن-؟، إلا أنّ إجابة الرحالة أحمد أكيد مقنعة؛ فإضافةً إلى الأهداف التي سعى في تحقيقها لهذه الرحلة؛ إلا أنّه قد يكون لذكريات طفولته الأثر الكبير في توجهه إلى حب الرحلات.. ففي طفولته المبكرة جداً قطع مسافة طويلة مع أهله على ظهور الجمال والحمير من ولاية أدم في داخلية عمان إلى محوت في الوسطى، المطلة على المحيط الهندي، حيث انطلقت العائلة من هناك إلى شرق إفريقيا عبر السفن الشراعية، ممّا شكل ميوله نحو حب الرحلات والمغامرات الصعبة، ثم اشتغل عقب تخرجه من الدراسة، في شركة تنمية نفط عمان، وهذا بدوره حبّب إليه حياة الصحراء والسيوح أكثر؛ لذا فقد عبر صحراء الربع الخالي بسيارته 63 مرة ودرسها دراسة وافية، وبعد ذلك قرر أن يقوم برحلته هذه باستخدام الهجن الأصيلة.

والسؤال المطروح الآن هو: هل حققت الرحلة الأهداف التي كان يتوخاها الرحالة أحمد المحروقي، بعد أن قطع الآن محافظة الداخلية ووصل إلى محافظة الوسطى؟ لقد نجح في تذكير الجيل الجديد بمعاناة وشدائد وسائل النقل قديماً، وخاصة فترة ما قبل عام 1970 وكذلك نجح في إيصال رسالة أهمية السلامة المرورية من خلال التأكيد على التأني في السير والقيادة ببطء وحذر، من خلال التحلي بالصبر، وذلك في المحاضرات التي ألقاها الرحالةُ في المدارس التي زارها خلال تجواله، حيث تحدث بتلقائية وبلغة سهلة للجيل الجديد، حيث سيكون لكلامه الأثر الطيب في نفوسهم.

أمّا عن التعريف بالمواقع السياحية والأثرية على أرض الوطن وإبراز جانب الأمن والسلام في ربوع السلطنة فقد نجح في ذلك، وزار أهم المعالم الأثرية والتاريخية، وزار الحارات القديمة والحصون والأبراج وبيوت الطين المهجورة؛ إلا أنّ المشكلة التي واجهت الرحلة هي ضعف التغطية الإعلامية، ممّا قلل من قيمة إظهار تلك المواقع، ورغم أنّ التغطية باللغة الإنجليزية كانت ضعيفة وليست بالمستوى المأمول؛ إلا أنّ الكثير من الأوروبيين -رغم ذلك- زاروه في أماكن تخييمه، وكان سؤالهم الدائم هو: أين وسائل الإعلام عنك؟

لقد وفِّق الرحالة أحمد المحروقي باختياره قلعة نزوى مكاناً لإقامة حفل استقباله هناك، حيث استقبله سعادة والي نزوى أمام القلعة التاريخية، في وقت تحتفل فيه الولاية بأنها عاصمة للثقافة الإسلامية، فجاءت الاحتفالية متناغمة مع المناسبة، وقام تلفزيون سلطنة عمان بتغطية الحدث وقدّم تقريراً مصوراً عن الاستقبال، حيث ذكر فيه الرحالة أحمد أنّ "الناس كانت تشد الرحال إلى هذه القلعة لتلقي العلم".

لقد ساهم الكثيرون، وساهمت بعض المؤسسات في دعم هذه الرحلة، ويذكر الرحالة مقدمتهم معالي الفريق أول سلطان بن محمد النعماني، وكذلك سعادة الشيخ علي بن ناصر المحروقي، الذي أشرف على كلِّ صغيرة وكبيرة حتى تنجح هذه الرحلة وتُحقق أهدافها، وتَواصَل مع أصحاب السعادة الولاة، وهو الذي كان يردد في كلِّ لحظة، "إنّ هدف الرحلة هو هدف وطني وسام، لذا لا يجب التركيز على أيّ تقصير من أيّ جهة كانت"؛ وفي الحقيقة إنّ كلام الشيخ علي فيه من المنطق ما فيه، ولكن من وجهة نظري فإنّنا يجب أن نظهر أيّ قصور قد حدث، حتى يتم تلافيه مستقبلاً؛ فقد كان يجب أن تتبنى وتتحمل وزارة السياحة الرحلة كلها من بدايتها حتى نهايتها، لأنّ ما تم فيها من ترويج لبيئة عمان السياحية كان كبيراً، وكذلك فإنّ دور القطاع الخاص قد اختفى تماماً من دعم مبادرات كهذه، وقد ذكر لي "سالم بن سليمان المحروقي" مدير التجوال، أنه بذل جهوداً كبيرة ليجد دعماً للمرحلة الأولى من الرحلة عندما انطلقت من بدية حتى مسقط العام الماضي، فلم يحصل على أيّ دعم؛ ثم إنّ الرحالة أحمد المحروقي عندما تحدثتُ معه قبل وصوله إلى نزوى كان عاتباً على غياب التغطية الإعلامية؛ باعتبار أنّ المناطق التي زارها في محافظة الداخلية كانت زاخرة بالأنشطة، عكس عندما يقطع الصحراء الخالية.

لقد نجح الرحالة أحمد بن حارب المحروقي في تحقيق أهداف رحلته حتى الآن، وقد اتّخذ من الاعتزاز بالأرض العمانية شعاراً لتجواله، ومن سمات السلام والمحبة نبراساً لرحلته.

وقد بقي لي سؤال هو: ماذا لو كان من قام بهذا التجوال هو شخص أوروبي مثلاً، ألن يكون التعامل معه قد اختلف؟!

Zahir679@gmail.com

 

 

تعليق عبر الفيس بوك