عمان في عيون الآخرين

حاتم الطائي

المُتأمِل في كتابات المُثقفين والكُتَّاب من خارج السلطنة وبمُختلف مشاربهم وأفكارهم، يرصد الانطباعات الإيجابية التي تزخر بها كتاباتهم عن عمان الإنسان والأرض .. القيم والأخلاق .. التسامح والتواضع..

وهؤلاء الكُتَّاب يضئيون لنا جوانب قد نتغافل عنها أو نتجاهلها في خضم ركضنا اليومي والانهماك في مشاغل الحياة اليومية، لأنَّهم يمثلون عين الآخر التي ترى أحيانًا ما لا نراه من إيجابيات تسكُننا دون أن نُعيِرها اهتمامًا، ونتعامل معها بنهج الأمر المُعتاد دون أن نوظفها في تحسين نظرتنا إلى أنفسنا، أو نُحسن استغلالها في تعميق مفهوم الإيجابية في حياتنا والذي ينعكس على تعزيز الشعور بالوطنية والاعتزاز بالهوية والحفاظ على مُقومات الشَّخصية العُمانية وما تتَّسم به من صفات يراها فينا الآخرون، ويثمنونها غاليًا، بينما بعضنا غارق في بحار السلبية، ناقم على مجتمعه، ولا يرى في واقعه ما يدعو إلى التَّفاؤل، رغم أن الآخرين يغبطوننا على ما نحنُ عليه من مكارم أخلاق، ويجزمون أننا من بين شعوب قلائل لا نزال نرعى القيم، ونُعلي بُينان الأخلاق، ونُشيِّد صروح التسامح..

إنّها عين الغريب التي غالبًا ما تكون على الحياد والموضوعية ترقب من زاويتها الخاصة المكان والنّاس، وتقيس درجة الإنجاز الحضاري ..

وما يُميز عين الآخر أنّها تنظر بموضوعية قادرة على تقييم المشهد بتفاصيله المختلفة.. وما قد تعتاده أعيننا، تتوقف عنده عين الآخر طويلاً.. تقلبه من مختلف الجوانب، لتستخرج مكنونات مدلولاته التي ألفناها، وأصبحنا نتعامل معها كمُعطيات، فيما هي في نظر زوارنا جزء من بناء قيمي، أو مكون حضاري يتوافر لدينا دون العالمين، مما يستوجب الإشادة ويستحق الاحتفاء .. إنّها عين الزائر التي تلمح الفضائل، وتختزن الإشراقات.

قادني إلى هذا الحديث، حزمة شهادات ساقها نفرٌ كريمٌ من الكُتَّاب والمُثقفين والفنانين العرب الذين زاروا عمان خلال الأسبوع المنصرم منهم الفنان مارسيل خليفة والإعلامي السعودي جعفر الشايب والمحلل السياسي البحريني عبيدلي العبيدلي والكاتب الفلسطيني فؤاد أبو حجلة..

كتب هؤلاء جميعًا انطباعات بمداد من الدهشة والانبهار عن زيارتهم لعمان وعاصمتها مسقط العامرة ..

يكتب مارسيل خليفة عن دار الأوبرا السلطانية بعد أن أحيى فيها أمسيتين قائلاً" من بعد سدني والسكالا والكندي سنتر وباريس وفينَّا وغيرها من العواصم أقول بأني رأيت الجمال كله في الأوبرا السلطانية بمسقط" ..

طاف الفنان مارسيل خليفة بمختلف دور الأوبرا في العالم من باريس إلى نيويورك وسيدني، إلا أن "شيئًا خاصًا من الجمال" استوقفه وشدَّ ناظريه وأسر قلبه في الأوبرا السُلطانية بمسقط رغم حداثة عهدها مقارنة برصيفاتها الأخريات في أوروبا وأمريكا.

كما سجَّل الكاتب السعودي راعي مُنتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف في مقال له نُشِر بالرؤية بعنوان "انطباعات زائر" الكثير من الانطباعات العامة حول زيارته لمسقط يقول الشايب" لا يسع الزائر لسلطنة عُمان إلا أن يخرج منها بانطباعات إيجابية من نواحٍ عديدة تتميز بها هذه البلاد وأهلها" .. ويواصل الشايب ملاحظاته الدقيقة لتفاصيل الحياة في المجتمع العماني: "المجتمع العُماني منفتح على الثقافات المختلفة ويتميز بحالة متقدمة من التسامح الاجتماعي والديني".

من المؤكد أنّ التاريخ الحضاري العُماني الزاخر بالأسفار والانفتاح على العالم الخارجي عبر تاريخ بحري وصل فيه العمانيون إلى أقاصي العالم حاملين معهم قيم السلام وتبادل المصالح عبر التجارة، ترك أثره في الشخصية العُمانية الواثقة من نفسها والمدعومة برصيد حضاري وهوية قائمة على التعارف والمعرفة والتواصل مع الآخر.

ويضيف الشايب واصفًا زيارته للجامع الأكبر "ذهبنا لصلاة الجمعة في جامع السلطان قابوس الأكبر ونحن مجموعة أشخاص من مذاهب مُختلفة، ولم يتولد لدى أيّ منّا شعور بالاختلاف مطلقاً على الرغم من تباين طريقة أداء الصلاة، إنّ موضوع التسامح في عمان بحاجة إلى دراسة متأنية وعلمية نحن في أمس الحاجة لها وخاصة في هذه المرحلة..".

إن التعايش العُماني يعد نموذجًا لعالم عربي تمزقه الهويات العمياء وصيحات التكفير، مما دفع بالشايب إلى أن ينادي بأهمية دراسة النموذج العماني للاستفادة منه في تجاوز حالة التشنج والقتل التي يمر بها.

ويصف الكاتب والمحلل السياسي البحريني عبيدلي العبيدلي الشخصية العمانية في إحدى مقالاته " على الطريقة العمانية الأصيلة المتمسكة بتقاليدها، الرافضة للمساومة على المزج الخلاق بين الكرم والحفاوة.." إنه يتحدث هنا عن التوازن والوسطية التي تميز الشخصية العمانية وتجذر هذه القيم فيها وامتدادها حتى حاضرها في تشكل فريد.

وإلى كاتب ومُثقف من الأردن وهو فؤاد أبو حجلة حيث كتب مقالاً بعنوان "أسبوعان في مسقط" يصف فيها تفاصيل زيارته للتعرف على المكان والإنسان العماني قائلاً " كانت زيارتي الأولى إلى سلطنة عمان فرصة ثمينة للتعرف على هذه البلاد العريقة وعلى أهلها الطيبين الذين يستقبلون ضيوفهم بحفاوة تلقائية ويحيطونهم بمشاعر صادقة لا مجاملة ولا تمثيل فيها .. عرف أنّ الدفء صفة للمكان والإنسان في هذه البلاد وأنّ الهدوء طبع عُماني مؤسس على الثقة في الحاضر مثلما هو مستمد من أصالة الماضي".

إنّ أسبوعين كانا كافيين لفؤاد أبو حجلة لأن يخرج بانطباعات حقيقية عن المكان العُماني وقد تمكّن من معرفة قريبة وحميمة بالشخصية العمانية التي تنزع نحو الهدوء والبعد عن الانفعالات والصخب غير المبرر.

وكما يقول إنّهم يعملون بصمت وبتركيز قلَّ وجوده في المنطقة المُحيطة حيث ينشغل الآخرون من حولهم بالكلام الكثير دون عمل.

والمِغزل الذي تنتظم على خيطه المتين هذه الكتابات المنصفة بحق عمان والعمانيين، هي هذه القيم التي تسود في مجتمعنا العُماني ومنها التسامح والانفتاح على الآخر والتصالح مع الذات والمرونة في التعامل دون التفريط والتوازن والوسطية .. وهي قيم علينا أن نعي قيمتها الثمينة أولاً، وأن نتمسك بها ثانيًا، وأن نحرص على أن تنعكس إيجابًا على نظرتنا لأنفسنا مما يدفعنا إلى المزيد من الثقة في أنفسنا والتطلع إلى الأمام بأمل وتفاؤل.

تعليق عبر الفيس بوك