على هامش معرض مسقط للكتاب

رحاب أبو هوشر

تزامنت زيارتي لمسقط، والتي شارفت على الانتهاء، مع إقامة معرض مسقط الدولي للكتاب السنوي. وكنت قد زرت هذا المعرض في زيارات سابقة، لألمس مع كل عام تطوره وتوسعه، وارتفاع مستوى تنظيمه، حتى أصبح هذا العام بمثابة تظاهرة ثقافية شاملة، لتكريس مفهوم الثقافة بوصفها تنطلق من جذرها الأعمق، أي القراءة وخلق علاقة دائمة ومستمرة بين الفرد والمجتمع مع الكتاب، لتتفرع نحو روافد مكملة لا تقل أهمية، عبر مشاركة عدد كبير من دور النشر بلغ ستمائة دار نشر عربية وعالميّة، شاركت بمطبوعاتها من الكتب، التي توزعت على مختلف حقول الكتابة والنشر، وما حفل به المعرض من فعاليات ثقافية كالندوات والمحاضرات وحفلات تواقيع الكتب الجديدة، والنقاشات التي شهدتها أروقته طوال أيام المعرض، بين الرواد من المثقفين والمهتمين بالكتاب والقراءة، وبين ممثلي دور النشر، حول الكتب ومضامينها وغيرها من القضايا الثقافية، وأيضًا فرص اللقاء التي خلقها كملتقى ثقافي للتبادل والتفاعل الثقافي.

إنّ تحول معرض الكتاب إلى تظاهرة تمتد لأيام، هو حدث على قدر من الجدية، يعكس اهتمامًا متزايدا بالكتاب والإقرار بقيمته لدى مؤسسات المجتمع، بالإضافة إلى تنامي الوعي بأهميته لدى جمهور الرواد، الذي كان متنوعًا ومن شرائح اجتماعية عديدة. أسر ارتادت المعرض مع أطفالها، صغار وكبار، طلاب وطالبات، أدباء وكتاب ومثقفون ذوي اهتمامات مختلفة. وفي هذا الاهتمام ما يبشر بتطور تجربة المعرض. هل لنا أن نحلم بأن يصبح معرض الكتاب في مسقط، أو في العواصم العربية الأخرى، فعالية ممتدة على مدى العام؟

ندرك بأنّ بعض الناس أتوا فقط لقضاء الوقت، دون أن يبدو اهتمامًا بالكتب المعروضة، وربما أنّ آخرين تجولوا بين أجنحة دور النشر، وقلبوا الكتب وقرأوا عناوينها، ولكنهم كانوا غير معنيين بشراء شيء من الكتب، وقد تكون شرائح خاصة مثل الطلاب، حضرت إلى المعرض بحثا عن كتب منهجية، تخدم تحصيلهم المدرسي أو الجامعي، بعيدا عن هاجس القراءة الثقافي. وفي جانب آخر، نشطت حول المعرض، عربات مشروبات ومأكولات، تحلقت حولها مجموعات من الناس، وكان غيرهم يتنزهون أو يتسامرون في المساحات الخضراء المحيطة. على الرغم من هذا التفاوت في اهتمام الناس، إلا أن هذا التواجد البشري الكثيف، وإن كان مغايرا أحيانا للاهتمام بالكتاب وهدف القراءة، يعد نجاحا للمعرض في قدرته على استقطاب الجمهور، فأصبح بقعة ضوء كثيفة جاذبة على امتداد أيام. علاوة على أن أي فعالية ثقافية، سواء كانت معرض كتاب أو مهرجان مسرح أو سينما مثلا، لا بد وأن يعبر عن حيوية اجتماعية، وأن تجري على هامشه أنشطة، تمثل بعدا اجتماعيا موازيا للثقافي، ويؤدي تراكميًا إلى ترسيخ مفهوم المدينة والسلوك المديني.

لا يتوقع أحد بأن تجيب إقامة معارض الكتب على أزمة القراءة والعلاقة مع الكتاب في المجتمعات العربية، أو أن تكون حلا نهائيا لها، لأننا ندرك بأن الكتاب في العالم العربي يعاني أزمة متشعبة الأطراف، ما بين مجتمعات لا تهتم بالثقافة عموما، نسبة القارئين فيها متدنية جدا، إذا ما قورنت مع غيرها من المجتمعات المتقدمة، وارتفاع كلف الطباعة والنشر، المنعكسة في ارتفاع أسعار الكتب، مع تزايد مستويات الفقر في بعض البلدان، ومشاكل الأمية وضعف نظم التعليم في معظمها، وغيرها من أزمات متشابكة ومتداخلة. قالت لي مندوبة واحدة من دور النشر: العربي آخر همومه القراءة، الفقراء لا يشترون الكتب لأن لديهم أولويات أكثر إلحاحا، فلماذا يدفع القادر وبانتظام مبالغ كبيرة في المطاعم، ولا يدفع جزءا بسيطا منها ثمنا للكتب؟!

معارض الكتب لن تكون وحدها الحل لأزمة تتطلب جهدا وخططا اجتماعية وثقافية وتربوية، والاهتمام بإقامتها ضرورة للمساهمة في خلق مجتمع قارئ، وكذلك لدعم المؤلفين ودور النشر معا، والمحافظة على استمرارية عملية إنتاج الكتب على اختلاف مجالاتها، التي تتناسب طرديا مع تقدم وتطور أي مجتمع من المجتمعات. علينا أن نتذكر أن ما ينتجه العالم العربي من الكتب حتى اليوم، لا يعادل أكثر من 1.1% من المنتج العالمي.

تعليق عبر الفيس بوك