من الفوضى الخلاقة إلى عالم الفوضى!

فهمي الكتوت

يقول الكاتب الأميركي توماس فريدمان؛ في معرض تحليله لما يجري في العالم من أزمات وحروب؛ والتي تعتبر من مظاهر الازمة العامة للرأسمالية التي أخذت أشكالا متعددة، منها الصراع الطبقي المحتدم في البلدان الرأسمالية، ومنها الحروب المذهبية والطائفية التي اشعلتها الإمبريالية الأميركية في الوطن العربي، واصفا فريدمان الصراع الدائر بين فقراء البلدان النامية وبين الطغمة المالية المستأثرة بسلطة رأس المال؛ بأنه صراع بين "عالم الفوضى" و "عالم النظام". ويعتبر فريدمان عالم الفوضى يتسع على حساب "عالم النظام" بسبب ضعْف وتفكك "عالم النظام"؛ ويضيف أن الاتحاد الأوروبي غارق في مستنقع الأزمة الاقتصادية والبطالة، والصين تتصرف كما لو كانت تعيش على كوكب آخر.. وفلاديمير بوتين يؤدي دور القيصر.. فيما عالم الفوضى يزحف من الجنوب بقيادة المتطرفين. وأمريكا عمودَ الخيمة الممسك بعالم النظام كله باتت عاجزة عن التوافق على سياسات داخلية مستدامة لحل مشاكل الاقتصاد والهجرة والضرائب والبطالة.

بغض النظر عن تقسيمات فريدمان العنصرية والمتعالية؛ والتي تعبر في جوهرها عن عمق الأزمة التي يعيشها النظام الرأسمالي، فلم أجد تعبيرًا أدق من وصف أزمة الاحتكارات الرأسمالية، أفضل من تعبير فريدمان "أوروبا غارقة في مستنقع الأزمة الاقتصادية والبطالة" وبالمناسبة ليس أوروبا وحدها غارقة في المستنقع، بل النظام الرأسمالي عامة وفي عداده "عمود الخيمة الممسك بعالم النظام كله". فالولايات المتحدة الأميركية ليس أفضل حالا، وإن كانت تستغل نفوذها السياسي والعسكري لفرض هيمنتها على السياسات المالية والنقدية عالميا من خلال دور الدولار كعملة احتياط عالمي، وطباعتها العملة الأمريكية دون حساب لتغطية أزمتها المالية؛ وتمكنها من تنفيذ سياسة "التيسير الكمي" بقيام البنك الاحتياطي "المركزي" بشراء السندات والأوراق المالية لحماية المؤسسات المالية وتحفيز الاقتصاد الأمريكي. ومع ذلك غير كاف، فالرأسمالية تحمل في طياتها بذور أزماتها.

وفي مواجهة الأزمة؛ تحاول البرجوازية التغلب على أزماتها عن طريق الحروب، أو الاستيلاء على أسواق جديدة. فقد اشعلت المراكز الرأسمالية حروبا داخلية في الوطن العربي عقابا للأمة على ثوراتها التحررية. وما يشهده الوطن العربي من حروب طائفية ومذهبية بتشجيع من الدوائر الاستعمارية إلا تعبيرًا عن نهج الإمبريالية في حرمان الوطن العربي من تحقيق استقلاله وإنهاء حالة التبعية للاحتكارات الرأسمالية. ما يسميه فريدمان عالم الفوضى ما هو إلا صناعة أمريكية، فقد خرجوا علينا بشعارات ومسميات غريبة منها ما يسمى "بالفوضى الخلاقة" و "عالم الفوضى" والتي تعبر عن السياسة العدوانية اتجاه الأمة العربية، وتقوم هذه النظريات الاستعمارية على تفتيت النسيج الاجتماعي، وتفكيك مؤسسات الدولة، وتدمير الجيش، وتشجيع العناصر المتطرفة، لعدم تمكين الدولة العربية من تحقيق أهداف الأمة في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، في مواجهة أنظمة الفساد والاستبداد، والفقر والبطالة.

أمّا أحدث التقارير عن مظاهر الأزمة الرأسمالية؛ فإن الاقتصاد الإيطالي انكمش للسنة الثالثة على التوالي وفقا لما نقلته وكالة رويترز عن المكتب الوطني للإحصاء (إيستات) وتوقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ان يرتفع حجم ديون إيطاليا إلى 132.8% و133.5% من الناتج المحلي الإجمالي للأعوام 2015، 2016 على التوالي، وتعد إيطاليا ثاني أكبر دولة مَدينة في منطقة اليورو بعد اليونان. اما معدلات البطالة فقد وصلت حوالي 26% في كل من اليونان وإسبانيا. ولم تعتبر معالجة قضايا البطالة هدفا بحد ذاتها لدى الاحتكارات الرأسمالية، الا بالقدر الذي تؤثر سلبا على تراكم رأس المال، فوجود احتياطي من القوى العاملة العاطلة عن العمل شيء مرغوب به ضمن مستويات معينة، لتوفير عمالة منخفضة الأجر، أي دون قيمة قوة العمل أو في مستواها، وتقترب من الحد الأدنى للمعيشة.

بينما تقوم اليونان في بعض الإجراءات الأولية في مواجهة الأزمة، بعد أن اختار الشعب اليوناني حكومة جديدة بقيادة سيريزا؛ وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه الحكومة اليسارية، والضغوط التي مورست من قبل دول الاتحاد الأوروبي وبشكل خاص من قبل الحكومة الألمانية لتفشيل النهج الجديد الذي تبناه سيريزا في برنامجه الاقتصادي، ومحاولة ابتزاز اليونان للموافقة على حزمة الاصلاحات المالية والاقتصادية، التي تقدمت بها الحكومة اليونانية. خشية من تعميم التجربة اليونانية في إيطاليا وإسبانيا. تقدمت الحكومة اليونانية -وفاء للعهد- بمشروع قانون جديد لاتخاذ إجراءات سريعة لمواجهة آثار الكارثة الاجتماعية التي حلت بالشعب اليوناني نتيجة للإجراءات التقشفية التي فرضتها الاحتكارات الرأسمالية، وهي خطوة ضرورية للتخفيف من حالات الفقر والبؤس، لتقديم المساعدات الإنسانية للأسر المهددة بالطرد من مساكنها ودعما للأسر التي لا تستطيع الحصول على السلع الأساسية. ويتضمن مشروع القانون ثلاثة تدابير رئيسية لمساعدة الأسر الفقيرة والعاطلين عن العمل وهي: إعادة توصيل التيار الكهربائي للمنازل التي فصلت عنهم، وتوفير الكهرباء لهم مجاناً حتى نهاية العام الحالي. ودفع بدل الإيجار لثلاثين ألف أسرة خلال عام 2015، مع إمكانية التمديد لعام 2016، وصرف "بدل غذاء" لثلاثمائة ألف شخص لشراء المواد الغذائية بواسطة "كوبونات" طبقاً لعدد أفراد الأسر.

تعليق عبر الفيس بوك