المعولي: أتمنى أن تكون للزواج رخصة كالقيادة.. لا تعطي إلا باجتياز دورة في فقه الأسرة

الباحث: أتمنى أَنْ تَكون للزواجِ رخصة كالقيادة.. لا تعطى إِلا باجتياز دورة في فقه الأسرة

 

الرؤية- مالك الهدابي

يقول المعتصم بن سعيد المعولي الباحث بجامعة السلطان قابوس إن أهمية موضوع الطلاق لا تقل عن أهمية معرفة أصول وفقه الزَّواجِ بالأساس، وَإذَا كُنَّا نُوصِي بِتَعلُّمِ أحْكَامِ النِّكَاحِ مرَّةً فإنَّنَا نُوصِي بتعَلُّمِ أَحْكَامِ الطَّلاقِ أكثرَ مِنْ مرَّةٍ، وذَلكَ لِمَا لِلجهْلِ بِالطَّلاقِ وأَحْكَامِهِ مِنْ آثارٍ وخِيْمَةِ العَاقِبَةِ، قدْ تُؤَدِّي بحيَاةِ المَرْءِ الأُسْرِيَّةِ إِلى الدَّمَارِ، وقَدْ تَقُودُ مَصِيرَهُ العَائِليَّ إِلى الخَرَابِ، فيَتفرَّقُ قُطبَا رَحَاهَا ويَتشتَّتُ ثمرُ لقَاهَا، وهَذَا أمرٌ نَبَّهَ عَلَيهِ العُلمَاءُ الفُطَنَاءُ كمَا نَبَّهَ عَلَى خُطُورَتِهِ وَتَفَشِّيْهِ في المُجْتمَعِ مَشَايِخُ الإِفْتَاءِ وَقُضَاةُ المَحَاكِمِ.

ويضيف المعولي في مقدمة كتابه الجديد "المعتمد في فقه الطلاق" ضمن سلسلة المعتمد، والذي يضم آراء الشيخين الجليلين أحمد بن حمد الخليلي وسعيد بن مبروك القنوبي وهو الجزء الخامس ضمن السلسلة التي تقدمها مكتبة الصحوة في جناحها بمعرض مسقط الدولي للكتاب، إن الشَّيخَانِ الجَلِيْلانِ الخَليْليُّ والقَنُّوبيُّ ذهبا إِلى أَكثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا إِنَّهُ ينبَغِي لِلإِنْسَانِ أَنْ يَتَعَلَّمَ أَحْكَامَ الطَّلاقِ خُصُوصًا وَالفِرَاقِ عُمُومًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ في العُشِّ الأُسْرِيِّ، حيث يَقُولُ الخَلِيْلِيُّ: يَجِبُ علَى الإنسانِ قَبْلَ الإِقْدَامِ عَلَى الزَّواج أنْ يَعْرِفَ كيْفَ يَكُونُ الطَّلاقُ، حتَّى يَكُونَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنَ الأَمْر، بِحَيْثُ لَوْ طَلَّق لا يُطَلِّقُ طَلاقًا يُؤَدِّي بِه إلى الوَرْطَة، ويُؤَدِّي بِه إلى مُخالَفَةِ شَرْعِ الله تبارك وتعالى.. وهَكَذَا شَأْنُ النَّاسِ، فَجَهْلُ الرَّجُلِ وجَهْلُ المَرأَةِ يُؤَدِي بهمَا إِلى الوُقُوعِ في هَذِهِ المُضَائِقِ ثمَّ يُؤَدِّي بهمَا بِالتَّالي إِلى التِمَاسِ المَخْرَجِ، وَلَكِنْ أَنى لهمَا أَنْ يجدَا المَخْرَجَ وَقَدْ أَوْقَعَا نَفْسَيْهِمَا في هَذِهِ الوَرْطَةِ. ويقول المحدث القنوبي يحفظه المولى: عندَمَا يُرِيدُ الإِنسَانُ أنْ يتَزوَّجَ عَليهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ أُمورَ الزَّوَاجِ، وَلا سيَّمَا فيمَا يَتَعلَّقُ بعِشْرَةِ النِّسَاءِ، ومِنْ ذَلكَ الطَّلاقَ. وَلذَا فَلَكَمْ أَتمنى أَنْ تَكُونَ لِلزواجِ رُخْصَةٌ كَرُخْصَةِ القِيَادَةِ لا تُعْطَى لِلشَّابِ أو لِلفَتَاةِ لِكَيْ يَقْتَرِنَ بِالآخَرِ إِلاَّ بعْدَ أَنْ يجتَازَ دَوْرَةُ مُكَثَّفَةً في فِقْهِ الأُسْرَةِ مِنْ زَوَاجٍ وطَلاقٍ ومَا يَلزَمُ كُلَّ طَرَفٍ تجَاهَ الآخَرِ مِنْ وَاجِبَاتٍ ومَا لَهُ عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقٍ مُتَحَتِّمَاتٍ، ومَا يَلزَمُهُمَا لاحِقًا مِنْ حُقُوقٍ تجَاهَ أَبْنَائِهِمْ مِنْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ.

السعادة في الدَّارَينِ

ويضيف المعولي أن التشديد على أهمية ذلك الفقه دفعه إلى إصدار الجُزْءُ الخَامِسُ مِنْ سِلْسِلَةِ "المُعْتمَدُ" الفِقْهِيَّةِ عَلَى آرَاءِ عَالمَيِ العَصْرِ والغُرَّتَينِ في جَبِينِ الدَّهْرِ الشَّيْخَينِ الجَلِيلَينِ أَحمَدَ بْنِ حمَدٍ الخَلِيْلِيِّ وسَعِيدِ بْنِ مَبرُوكٍ القَنُّوبيِّ حَفِظَهُمُ اللهُ تَعَالى. ويتابع: أَسْمَيْتُهُ "المُعْتمَدُ في فِقْهِ الطَّلاقِ"، وسَلَكْتُ فِيْهِ مَا سَلَكْتُ في حلقات هذِه السِّلسلَة السَابِقَةِ مِنْ عَرْضٍ لِمَسَائِلَ قَيِّمَةٍ وبَيَانٍ لتَنْبِيهَاتٍ مُهِمَّةٍ مِنْ غَيرِ تَطْوِيلٍ مُمِلٍّ وَلا تَقْصِيرٍ مُخِلٍّ، لِيَكُونَ أَدْنى قِطَافًا للزوجين، وأهدى سبيلا للقرينينِ، وأروى غليلا للخَليلَينِ، وأَيْسَرَ مَرْجِعًا ومرشدًا لمبتغي السعادة في الدَّارَينِ. وَنَظَرًا لأَنَّ الكِتَابَ لا يَقْتَصِرُ عَلَى أَحْكَامِ الطَّلاقِ فَقَط بَلْ يَعُمُّ جمِيعَ أَبْوَابِ الفِرَاقِ تَقْرِيبًا فَقَدِ احْتَرْتُ في تَسْمِيَتِهِ أَوَّلاً، هَلْ يَكُونُ "المُعْتمَدُ في فقْهِ الفِرَاقِ"، أو "المُعْتمَدُ في فِقْهِ النِّكَاحِ- القِسْمُ الثَّاني(الفرَاقُ وأحكَامُه)"، أو يكُونُ " المُعْتمَدُ في فِقْهِ الطَّلاقِ".. إِلى أَنْ وَقَعَ الاخْتِيَارُ بعدَ الاسْتِخَارَةِ، والاسْتِشَارَةِ لأَهْلِ العِلْمِ عَلَى الاسْمِ الأَخِيرِ؛ لِكَوْنِ مُصْطَلَحِ الطَّلاقِ أَكَثْرَ شُيُوعًا وَمَعْرِفَةُ وذُيُوعًا مِنْ مُصْطَلَحِ الفِرَاقِ عِنْدَ عَامَّةِ النَّاسِ، وَلِكَوْنِ الطَّلاقِ هُوَ "أُمُّ البَابِ" كمَا يُقَال.

ويؤكد الباحث أن كتابه لا يَقْتَصِرُ عَلَى فِقْهِ الطَّلاقِ فَقَط، وَإنما يَشْمَلُهُ وغَيرَهُ، فَقَدْ صَدَّرهُ بِبَابٍ أوَّلَ كَمُقَدِّمَةٍ في الفِرَاقِ إِجمَالاً، بَيَّنْت فِيْهِ مَعْنى الفُرْقَةِ وتَقْسِيْمَهَا بِاعْتِبَارَاتهَا المُخْتَلِفَةِ، ثمَّ جَاءَ البَابُ التَّالي ليفَصَّلْ فيهِ الحَدِيثَ حَوْلَ مَا يَتَعَلَّقُ بِأحْكَامِ الطَّلاقِ مِنْ مُقَدِّمَاتٍ مُهِمَّةٍ، وحِكَمٍ سَامِيَةٍ، وَخُطُوَاتٍ سَابِقَةٍ، وشُرُوطٍ لازِمَةٍ، وأَرْكَانٍ ثَابِتَةٍ، ثمَّ فَصَّلْ في أبْوَابٍ عِدَّةٍ مَا يَتَعَلَّقُ بِأقسَامِ الطَّلاقِ وَأَنْوَاعِهِ باعْتِبَارَاتِهِ المُختَلِفَةِ، فهُناكَ السُّنيُّ والبِدْعِيُّ، وَهُنَاكَ البَائِنُ وَالرَّجْعِيُّ، وَهُنَاكَ الصَّرِيْحُ والكِنَائِيُّ، كمَا أَنَّ هُنَالِكَ المنَجَّزَ في الحَالِ وَالمُضَافَ لِزَمَانٍ وَالمُعَلَّقَ بِشَأنٍ. وثنَّى بأنوَاعِ التَّفرِيقِ القَضَائِيِّ إِجمالاً كَالتَّفْرِيْقِ لِلْعَيْبِ أَوْ لِعَدَمِ النَّفَقَةِ أوْ لِلضَّرَرِ.. ثمَّ ثلَّثْ بأنوَاعِ الفُرَقِ الأُخْرَى في أَبْوَابٍ مُتَتَابِعَةٍ، وَقَدْ رَتَّبهَا حَسَبَ تَرْتِيْبِ ورُودِهَا في كِتَابِ اللهِ العَزِيْزِ، فَبَدَأْ بِالتَّفْرِيْقِ بِالإِيْلاءِ ثمَّ الخُلْعِ ثمَّ الزِّنى ثمَّ اللِّعَانِ ثمَّ الظِّهَارِ ثمَّ خَتَمْ الكِتَابَ بِذِكْرِ بَعْضِ أَنْوَاعِ الفُرَقِ الَّتي وَقَعَ الاخْتِلافُ فِيْهَا.

تَوْثِيقِ المعلُومَةِ

ويقول المعولي إنه حَرَصْ عَلَى ذِكْرِ كُلِّ مَا يَهُمُّ الزَّوْجَينِ مِمَّا يَكُونُ سَبِيْلاً لسَعَادَتهمَا وَسَعَادَةِ أَبْنَائِهِمَا، وَيَكُونُ سَبَبًا لِتَجَنُّبِ شَقَائِهِمَا وَتَعَاسَتِهِمَا؛ لِيَعِيْشَا عِيْشَةً هَانِئَةً مُطْمَئِنَّةً عَلَى نُوْرٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ وَهَدْيٍ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِهِ، تَقُوْمُ عَلَى مَعَاني الاحْتِرَامِ وَالتَّعَاوُنِ وَالتَّسَامُحِ وَالتَّصَالحِ، كمَا حَرَصْ عَلَى ذِكْرِ مَا يَهُمُّ الزَّوْجَينِ وَمَنْ يحِيطُ بهمَا مِنْ تَنْبِيْهَاتٍ فِقْهِيَّةٍ قَدْ يَغْفُلُ عَنْهَا بَعْضُ الأَزْوَاجِ، وَأَخْطَاءٍ اجْتِمَاعِيَّةٍ قدْ يَرْتَكِبُهَا بَعْضُ القُرَنَاءِ. وقد حَرصْ عَلَى تَوْثِيقِ المعلُومَةِ قَدرَ الإِمكَانِ ولو تعدَّدَ مَصدَرُها أو تكرَّرَ، لا سِيَّمَا وأنَّهُ قد يُذكَر في مَصْدَرٍ ما يُكمِّلُهُ في الآخَرِ وهَكَذَا، بلْ إِنَّ الفَتَاوى غَالِبًا مَا تَأْتي إِجَابَاتُهَا عَلَى قَدْرِ أَسْئِلَةِ السَّائِلِينَ مِنْ غَيرِ بَيَانٍ وتَفْصِيْلٍ أو تَقْعِيْدٍ وتَأْصِيْلٍ، وهو مَا ضَاعَفَ الجُهْدَ في اسْتِقْرَاءِ وتَتَبُّعِ آلافِ الأَجْوِبَةِ والفَتَاوَى مُسْتَفْرِغًا الوُسْعَ في البَحْثِ والتَّقصِّي في الفَتاوَى المخْطُوطَةِ والمطْبُوعَةِ، والأَشْرِطَةِ المرئِيَّةِ والمسْمُوعَةِ، أمَّا مَا أعْيَى الذهنَ فهمُهُ أو تعدَّدتْ فيهِ الفَتوى واختلَفَتْ فقدْ كَانَ المرْجِعُ فيهِ اللقَاءَ المباشِرَ والسُّؤالَ الشَّفهيَّ لجنَابِ الشَّيخَينِ حَتى يخْلُصَ المؤلف إِلى الرَّأيِ المُعْتمَدِ والقَولِ الأَسَدِّ.

ويختتم قوله بالتأكيد على أن أبوابَ الكتَابِ تخللها بعضُ الفَوائدِ والفَرائدِ، واللَّطائفِ والحكمِ؛ ليطولَ استمتاعُ القَارِئ بالقرَاءَةِ، ويندَفِعَ عنهُ الملَلُ والسَّآمةُ، كمَا رُويَ أنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كرَّم اللهُ وجهَهُ قالَ: إنَّ الْقُلُوبَ تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ الأَبْدَانُ؛ فَاهْدُوا إلَيْهَا طَرَائِفَ الْحِكْمَةِ؛ ومَا ذَلكَ إلاَّ لأنَّ الْقُلُوبَ في العَادَةِ تَرْتَاحُ إلَى الْفُنُونِ الْمُخْتَلِفَةِ وَتَسْأَمُ مِنْ الْفَنِّ الْوَاحِدِ.

تعليق عبر الفيس بوك