على خطى جوردن...!

المعتصم البوسعيدي

ميخائيل نعيمة مفكِّر عربي وشاعر وقاص ومسرحي وكاتب، لا أدَّعي معرفته إلا عن طريق مُحرك البحث "جوجل"، بعدما قادتني الصدفة لإحدى قصائده منذ أمد ليس بالقريب، وهي قصيدة "فتش لقلبك"، أستدعي منها في بداية مقالي هذا المقطع الرائع: "وتجول وحدك في القفار، وعليك ستر من غبار، كمسافر يبغي الديار، لكنه فقد السبيل، أفما لقلبك في مسيرك من دليل؟" حتَّامَ أقول إنه في الرياضة محطات هي دليل تضيء طريق النجاح؟!".

محطتنا هذه المرة للشاب الذي أغلق على نفسه الغرفة ليبكي ويصرخ، بعدما تم عزله من فريق كرة السلة بالمرحلة الإعدادية، وهو أيضًا الرياضي المعتزل في ثلاث مناسبات، ومع كل مناسبة يعود منها عن الاعتزال كان يعطي الإضافة ويحقِّق الإنجازات، ومسيرته حافلة يُمكن اختصارها في أربع جوائز استلمها عند حلول الألفية الجديدة في العام 2001م أي قبل اعتزاله النهائي بثلاث سنوات تقريبًا، وهي لقب رياضي القرن وأفضل رياضي في التسعينيات من القرن العشرين، وأفضل لاعب كرة سلة في التسعينيات من القرن العشرين، وحصل على أفضل لعبة في العقد بفضل نقطة رائعة سجلها في عام 1991م؛ حيث أخذ الكرة من يده اليمنى إلى اليسرى وهو في الهواء وسجلها... إنه "مايكل جوردن" لاعب السلة الأمريكي السابق.

من حياة مايكل.. هي المرحلة الثانوية التي كان يتفوق فيها في ثلاث رياضات هي كرة القدم الأمريكية، كرة القاعدة، وكرة السلة التي توقف عنها لفترة في البداية؛ لأنه كان قصيرَ القامة ثم ما لبث أن ركز عليها وتدرب بجد وحقق أرقاما مهمة على مستوى معدلات التسجيل والدفاع وصناعة الأهداف والتمرير؛ الأمر الذي أدَّى لحصوله على منحة في جامعة "كارولينا الشمالية" تخصص الجغرافيا، وهذا أمر يجب أن نتوقف عنده ومع النظرة "الدونية" التي نرى بها الرياضة، فالمتفوقون معنا لا يحصلون إلا على وظيفة ربما لا يكاد يعمل فيها لأن معيار توظيفه هو ممارسته لرياضة ما يمكن أن تفيد لرفع اسم المؤسسة التي ينتمي إليها أو أن يتم توفير أي وظيفة له حتى يطمئن قلبه فقط دون أي معيار للكفاءة الوظيفية ولا حتى النظر في ضرورة تأسيسه مهنيًا للعمل بوظيفة مرموقة تقديرًا لتفوقه في الرياضة، وبالعودة لجوردن والمنحة الدراسية؛ فقد سجَّل نقاط الفوز التي منحت جامعته لقب دوري الجامعات حاصلاً أيضًا على أفضل لاعب مما قاده للعب بالدوري الأمريكي لكرة السلة دون أن يعيق ممارسته للرياضة حصوله على الشهادة الجامعية.

أرقام مايكل جوردن كثيرة في لعبته، ولديه أيضًا أعمال فنية مثل قيامه بأداء صوت شخصيته المرسومة في كرتون (Pro Stars) وتمثله في فيلم (Space Jam) وهو أمر يعنينا من حيث أهمية استثمار النجومية على المستوى الشخصي والعام، كذلك أهمية التسويق الجيد والمشاركة في خدمة المجتمع؛ فالأبطال هم الإلهام للأجيال، كما أنَّ فرص الحياة لا تأتي كل يوم، وعلى الرياضي أن يعلم أن فترة ممارسة اللعبة والصعود للنجومية هي مرحلة خصبة لزراعة الحاضر والمستقبل، وأن بقعة الضوء التي يقف عليها اليوم ستنتقل إلى مكان آخر ليس هو جزء منه.

أصبح مايكل جوردن في 21 فبراير 2003م أول لاعب كرة سلة يبلغ من العمر 40 سنة يسجل 40 نقطة في مباراة واحدة، وهذا درس للعطاء المستمر الذي لا يتأتى إلا بالهمة العالية ومقدار الجهد والبذل والإخلاص في الحب، نعم هو حب الرياضة وحب العمل المتقن، ومايكل يفهم ذلك جيدًا وقد كان موسمه الأول بالدوري الأمريكي لكرة السلة 1986م ينبئ بميلاد لاعب محترف إلا أن تسديداته من الخارج كانت غير احترافية لهذا استمر في التمرين في نهاية الموسم، وكان يسدد المئات من التسديدات في اليوم، حتى أصبح من أفضل اللاعبين المسدِّدين للضربات الثلاثية.

... قصص النجاح تبدو متشابهة في حقيقتها، لكن وسائلها متعدِّدة تتغلغل حتى العُمق الإنساني، والنجاح أيضًا لا دين له -إن صح التعبير- حتى لا نقع في شبهة اختيار من يُلهمنا، ومن الفشل ما يكون خطوة للنجاح، وقد كان مايكل من هؤلاء الذين نجحوا رغم فشل البدايات، ورغم أن قرار اعتزاله لأول مرة ربطه البعض باغتيال والده في العام 1991م، كل هذا لم يُثنِ الأسطورة في استحقاقه لكل ما وصل إليه، وقد قال عنه مدربه -في أغلب فترات مسيرته- فيل جاكسون: "لم يأخذ مايكل أي شيء هو لا يستحقه".

تعليق عبر الفيس بوك