ناصر الجساسي
الدول بين الابتكار والاندثار؛ مقال نشر في إحدى الصحف الخليجية، أعدت قراءة المقال أكثر من مرة، وأخذت أتعمق في كل كلمة وسطر من شدة روعته وعذوبته؛ فاستوقفتني جزئية (وليس سرًا أنّ حكومات أمريكا وأوروبا تصرف مجتمعة سنويا أكثر من 250 مليار دولار من الأموال الحكومية على الأبحاث والتطوير؛ لتبقى في مواقع الريادة العالمية العلمية، وليس خافيًا على أحد أيضا أنّ سر تطور دول مثل سنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية خلال فترة قصيرة هو تأجيل الصرف على البنية التحتية وتركيزها الكبير على تطوير التعليم وبناء مهارات ومعارف شعوبها أي البنية غير المرئية، بل إنّ دولة مثل بريطانيا تصرف من ميزانيتها سنويا على البنية التحتية غير المرئية كاستحداث الأنظمة والتدريب والأبحاث والتطوير أكثر مما تصرفه على البنية التحتية المرئية من شوارع وأنفاق ومبانٍ وغيرها (124 مليار جنيه مقارنة بـ93 مليار جنيه حسب أرقام 2009). ففي هذه الجزئية استرجعت ذاكرتي فرحة أهالي المحافظة بالمباركة السامية التي نقلت إلى الأهالي في اجتماع موسع وتلا ذلك الاجتماعات والحوارات والمراسلات والمقالات المتكررة والمُلحة لمشروع إنشاء جامعة الظاهرة، وكان آخرها اجتماع مسؤولي وزارة التعليم العالي بالأهالي والتأكيد على أن دراسة الجدوى التي أعدتها شركة عالمية بمساندة مجموعة من الأكاديميين من أبناء محافظة الظاهرة قد استحسنتها وزارة التعليم العالي ورفعتها إلى مجلس التعليم العالي؛ إلا أنّ فرحة الأهالي لم تكتمل، وبدأ مشروع جامعة الظاهرة في التلاشي تدريجيًا بعد زخم كبير وصبر طويل من أهالي المحافظة، وللأسف لم ير هذا المشروع النور والسنوات تمضي بنا. ها هي مخرجات الدبلوم العام من أبناء الظاهرة تربو على 3000 طالب وطالبة سنويا ترفد معظم الجامعات والكليّات المجاورة للمحافظة، وهناك عدد منهم خارج السلطنة ناهيكم عن تكبدهم عناء الطريق وخطورته وابتعادهم عن أهاليهم وذويهم، وأيضاً في الجانب الآخر يوجد الكثير من الموظفين في القطاعين الحكومي والخاص في المحافظة ممن لديهم النية الصادقة لإكمال مشوارهم الجامعي، ولكن عدم وجود جامعة خاصة في المنطقة يحول بينهم وبين تحقيق أحلامهم. أمّا باقي الموظفين الذين يكملون دراساتهم الجامعيّة في الجامعات المجاورة فإنّهم يعانون ظروفاً شتى فأغلبهم لديه ظروف والتزامات عائليّة ترهق كاهلهم وبعُد المسافة بين مناطق سكنهم والجامعة يزيد من وطأة المعاناة. حاجة أبناء الظاهرة للجامعة هي حاجة أبناء وطن يتطلعون لمزيد من التطوير والابتكار في التعليم ونشر الجامعات والصروح العلميّة في جميع أنحاء السلطنة، وإنّ تأخير المشاريع التعليمية تحديداً لا يمضي بالوطن قُدماً بل يبقيه مكانه واقفاً؛ فإن أردنا فعلاً التقدم والازدهار فعلينا التركيز بشكل مباشر على جانب التعليم بشتى أشكاله ومجالاته وتذليل كل الصعوبات والمعوقات التي تواجهه ودعمه بكل الطرق الوسائل، كما أن مشروع جامعة الظاهرة سيفتح آفاقاً اقتصادية أوسع وأكبر للسلطنة بشكل عام، نظراً لما تتميز به محافظة الظاهرة من مقومات اقتصادية وسياحية وبيئية تؤهلها لذلك؛ فضلا عن موقعها الاستراتيجي بوصفه عامل جذب للطبة من خارج السلطنة.
إنّ مكرمات مولانا جلالة السلطان قابوس المعظم حفظه الله وأعاده إلى أرض الوطن لا يحدها زمان ولا مكان، وخاصة عند دعم مسيرة التعليم وبناء الإنسان العماني، ويقيناً بإذن الله سيكون مشروع جامعة الظاهرة حلما واجبا تحقيقه بموافقة سامية سبقتها مباركة سامية، فأهالي المحافظة يؤكدون على المطالبة المستمرة والحثيثة على ضرورة إنشاء الجامعة فيا مسؤولين ويا أصحاب القرار بيدكم القرار.