نزوى تثقِّف سينمائيًّا

هيثم سليمان *

ليس غريبًا على نزوى لباس العروس الجميل المطعم بلآلئ ثقافية وفنية، والذي ترتديه هذه السَّنة كونها مثَّلت القلبَ السياسيَّ النابض لسلطنة عُمان قديما، وها هي تُواصل تمثيل الوطن حضاريًّا في ظل القيادة السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- تلك القيادة التي ضربتْ جذورها في عُمق الجسد التراثي التاريخي لعُمان من جهة, واشرأبت بعنقها إلى سماء الحداثة في مُزاوجة جميلة يندُر أن تتكرَّر. فما أجمله من ثَوْب! وما أجمل أن تكون بيضة الإسلام حاوية في صفارها هذه السنة عشرات وعشرات من المفكرين والأدباء والمؤرخين والسينمائيين قدِمُوا لوضع بصمة ما يتذكرون بها هذه المدينة العظيمة، ونحن معهم نعيش بشغفٍ وروحانية احتفالية "نزوى عاصمة للثقافة الإسلامية.

ولأنَّه من الواجب لزامًا أنْ نشيد جميعا بجهود الحكومة الرشيدة في تنظيم وتسيير هذه التظاهرة الضخمة, حُقَّ لنا ذكر بعض من تلك الجهود المتمثلة في سعي وزارة التراث والثقافة كمنظومة حكومية ثقافية لإخراج هذه التظاهرة بالصورة المشرفة التي تتناسب وضخامة الحدث وعراقة السلطنة بما تحتويه من إرثٍ إسلاميٍّ عربي تركه آباء وأجداد عُمانيون عظام عبر المسيرة التاريخية للوطن الأغر.

... مدفوعة بأهمية التأكيد على أن الفنون جُزء لا يتجزَّأ من معالم التظاهرة الأغلى إسلاميا وعربيا, قامت الوزارة بتشكيل لجنة فنية يقودها مُخضرمون عمانيون هم على قدر من الخبرة والمسؤولية؛ حيث كُلف كلٌّ من قاسم السليمي مدير إنتاج أعمال درامية بالهيئة العامة للإذاعة والتليفزيون، ولورا السيابية رئيسة قسم السيناريو بالوزارة، وقاسم الريامي رئيس قسم المسرح، والمخرج محمد الكندي بإدارة اللجنة الفنية لاحتفالية نزوى عاصمة للثقافة الإسلامية. ولم تألُ اللجنة جهدا لاستقطاب وتفعيل مختلف البرامج الفنية على أرض الواقع وما ورشة صناعة الأفلام الوثائقية التي أعلنتْ عنها اللجنة قبل بضعة أسابيع إلا أحد هذه البرامج المهمة.

المخرج العالمي عهد بن سودة, والمخرجة الفلسطينية تغريد سعادة, والمخرج السينمائي رامي مرتضى، والمخرج السينمائي محمد الكندي، هم حَمَلة لُواء التعليم في هذه الدورة؛ حيث إنه وعلى حسب برنامج الورشة، سيقوم هؤلاء الأساتذة بإعطاء دُروس ومحاضرات في كيفية صناعة الفيلم الوثائقي لعدد من هُواة وطلاب الفن السابع؛ بحيث يقوم هؤلاء المشاركون بصُنع خمسة أفلام وثائقية تتحدَّث جميعها عن نزوى في نهاية الورشة التي ستفتح أبوابها مطلع شهر أبريل هذا العام، وتنتهي بتاريخ الثامن والعشرين من الشهر نفسه. هذه الأفلام ستكون بمثابة توثيق جميل ومحترف لنزوى المكان والحضارة، مُواكبا احتفال العالم الإسلامي بمدينة العلم والعلماء.

تبدأ الورشة برحلة تعريفية إلى نزوى، يترافق فيها المشاركون والمخرجون للتعرف على المدينة عن كثب، ولمحاولة استسقاء أفكار خلاقة مبدعة لأفلامهم القادمة من خلال التواجد الحي في المدينة والاطلاع على معالمها وارثها الحضاري والاجتماعي. ومن اليوم الثاني بُعيد الرحلة, ستبدأ سلسلة مكثفة من المحاضرات والحصص التعليمية النظرية والتطبيقية لتعليم هذه الصناعة المهمة التي نعقد عليها جميعا كسينمائيين عمانيا أمالا عريضة، لاسيما مع التاريخ المشرف للسلطنة في مجال إنتاج الأفلام التسجيلية والوثائقية.

وبعد انتهاء النواحي التعليمية، تأتي مرحلة تصوير وإنتاج الأفلام فعليًّا؛ حيثُ سيُتابع المحاضرون الإشراف على كافة مراحل الصُّنع التي سيقوم بها المشاركون ابتداءً من مرحلة ما قبل الإنتاج وحتى مرحلة التسليم.

إذن؛ حُسم الأمر, وآن الأوان لشبابنا العُماني الطامح الشغوف بعالم السينما، أن ينتهزَ الفرصة الغالية ويتثقَّف سينمائيًّا، بل وينخرط في بيئة عمل سينمائية ميدانية بإدارة خبراء في الصناعة تدفعهم روحانية نزوى كعاصمة للثقافية الإسلامية، وحب وطيبة المجتمع العماني... فأهلا بهم.

* سيناريست سينمائي وتليفزيوني

Careless7@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك