د. محمد بن سعيد الشعشعي
يظل الكتاب أنيس الوحدة والمصدر المعتمد للمعرفة والمرجع المفصل لأيّ خلاف حول صحة المعلومة ودقتها، فلم تؤثر على الكتاب التقنيات أو السماوات المفتوحة ولم تتمكن العولمة أو قنوات التواصل الاجتماعي من أن تمحو بريقه أو تبعده عن الساحات الأدبية أو قاعات المنتديات الثقافية ... بل إنّ كل هذا التطور وظف لأجل الكتاب الذي منه تستقي أدوات التواصل المعلومة ومن معينه تفتح صفحات للتواصل مع القراء والباحثين لكون الكتاب خير جليس وأحسن ونيس وصديق لا يمل ولا يفرق بينه وبين المثقف إلا القضاء والقدر فمن لا يعشق الكتاب لم يتلذذ بنكهة الحياة وكأنما كانت حياته لا طعم فيها ولا ذوق ولا رائحة.
عمان بلد تزخر بالمخطوطات وأمهات الكتب والمراجع والأدبيات التاريخية والأدبية والعلمية وتعنى وزارة التراث والثقافة بهذا الإرث العظيم للمحافظة على تاريخ أمة ومجد دولة وكيان شعب .. فنقحت المخطوطات وطبعت على نفقة وزارة التراث والثقافة كتب ومراجع ودراسات وبعد أن وثقت عرضت في منافذ العرض داخل وخارج السلطنة فمن يدخل معارض محليا وعربيا يشاهد حجم الإقبال على إصدارات وزارة التراث والثقافة، وما هو إلا محض دليل وبرهان على الدور الرائد الذي تقوم به هذه الوزارة للمحافظة على هذا الإرث التاريخي وتقديمه للقارئ في أفضل حال جودة وطباعة وسعرًا.
قرأت هذا الأسبوع بعض المقالات وتابعت مدونات وتغريدات عبر قنوات التواصل الاجتماعي التي تنتقد في مجملها بعض الكتب والروايات المعروضة بمعرض مسقط للكتاب في نسخته العشرين.
وأوضحت بعض هذه الكتابات مدى المردود الذي تحظى به هذه الكتب عندما تنتقد بهذا الأسلوب والتذمر والسخرية إذ إنّ هذا النقد يصب في النهاية في مصلحة الكتاب والإقبال عليه في أجنحة العرض .. فكل ما يسخط منه المجتمع أو طالب بمنعه زاد الإقبال عليه وفق مقولة "كل ممنوع مرغوب" ولهذا يدرك هؤلاء أنّ من أراد لمطبوعه الانتشار والإقبال فعليه أن يخطط له وفق عمل دعائي منظم مستخدماً فيه وسائل وقنوات التواصل الاجتماعي السريعة الانتشار وبطريقة قد لا تكون سوية أو نزيهة، لكنها مؤلمة ومدسوسة هدفها الربح أو الشهرة والتشهير واستغلال براءة المجتمع الذي لا يدرك كل ما يدور خلف الكواليس .. فالناشرون والكتاب لديهم من الدراية بطبيعة كل مجتمع فيعرضون فيه نوعية الكتب التي يدغدغ فيها مشاعره الهادئة ويحرك بها عواطفه الحساسة البريئة لأن هؤلاء الناشرين والعارضين يشاركون في معارض الكتب التي تطوف جميع العواصم العربية سنويًا وبالتالي لديهم الخبرة في آلية الوصول إلى كل مجتمع على حدة، فالكتب التي تحرك مشاعر المجتمع العُماني على سبيل المثال ليست بالضرورة أن تجد الإقبال ذاته في دول المغرب العربي، والكتب التي يزيد الإقبال عليها في دول المغرب قد لا تلقى القبول ذاته عندنا.. وهكذا.. فالناشرون والمؤلوفون الملتفون الذين يستخدمون عبارات أو إيحاءات أو ألفاظ طنانة وفي شكل روائي أو درامي أو تاريخي يعلمون أنّ مثل تلك المواضيع تدغدغ مشاعر القراء والأبرياء منهم على وجه الخصوص خاصة إذا ما كانت هذه المؤلفات لكتاب عمانيين بغض النظر عن مضمونها ومضمون غيرها من المعروضات بمعرض الكتاب وأنا متيقن تماماً بأن هناك من الروايات والكتب الطافحة بالإيحاءات التي قد تكون فاضحة في هذا المعرض اطلع عليها هؤلاء المروجون والمبلبلون ولم يعيروها أيّ اهتمام لأنها لمؤلفين غير عمانيين فأصبح عندهم المؤلف أهم من مضمون الكتاب، كما أنني أبصم بالعشرة على أنّ بعض هؤلاء المتشدقين بالآداب منفتحون أشد الانفتاح في مواقع الشبكة الإلكترونية وأنهم يدخلون لمواقع وأيقونات قد لا يصل لها الشخص العادي مثلي ومثلك. من هنا تصدق مقولة "كل ممنوع مرغوب" وأن المستفيد الأول والأخير من هذه الحملة والشائعات التي تطالب بالمنع هو الناشر أو الكاتب أو العارض ونتوصل كذلك إلى أن الذي يستطيع أن يصل إلى النغمة التي تطرب المجتمع وتحرك مشاعره البريئة هو الذي تنفذ مبيعاته من صالات العرض منذ الأيام الأولى لأن المجتمع في عامته يجهل جل حقائق هذه الأحداث. ناهيك عن أنّ مثل هذه الكتب التي أثارت البلبلة لم يصدر لها ترخيص من جهة الاختصاص بالسلطنة ولم تطبع في مطابعنا المحلية بل طبعت في مطابع الدول المرخص لها وبالتالي عرضت في معرض مسقط شأنها شأن مئات آلاف العناوين المشاركة في هذا المعرض الدولي الرائد على مستوى الشرق الأوسط إعدادا وتنظيما وانفتاحا ومبيعات وما ذلك إلا نتيجة جهود لجان تعمل على مدار العام لإخراج هذه التظاهرة الثقافية المميزة في أجمل صورها كما عهدناها.. وهي تستحق منِّا كل الشكر والتقدير والثناء.