عبد القادر الغساني جليس الكتاب

سالم الكثيري

تشتهر محافظة ظفار منذ القدم بأعمال الوقف ويُقال إنّ مُعظم مزارع مدينة صلالة على سبيل المثال موقوفة. كما أنّ كثيرين ممن لا يمتلكون المزارع يوصون بوقف الثلث من أموالهم على قلتها وانتشار الفقر لتكون صدقة عليهم بعد الوفاة أيًا كان نوع هذا المال- ماشية - أرض - بئر ماء وغيرها وعلى الرغم من ثقافة الوقف المنتشرة والمعمول بها إلا أنّ الجانب العلمي لم يحظ بالنصيب الوافر مقارنة بغيره من أنواع الوقف .

وفي سابقة تاريخية في محافظة ظفار تمّ الأسبوع الماضي افتتاح مكتبة دار الكتاب العامة لصاحبها الأستاذ عبد القادر بن سالم الغساني وذلك تحت رعاية صاحب السُّمو السيد هيثم بن طارق آل سعيد وزير التراث والثقافة وبحضور عدد كبير من أصحاب المعالي الوزراء والمهتمين بالشأن الثقافي والمعرفي.

بدأ الرجل حياته مدرسًا في المدرسة السعيدية بصلالة منذ أربعينيات القرن الماضي ثم أصبح مديرًا لها واستمر في عطائه العلمي إلى سنوات متأخرة حيث صار مدير عام التربية والتعليم في محافظة ظفار لسنوات طويلة ثم مستشارًا للوزير .وله عدد من المؤلفات في التاريخ والثقافة.

لقد ارتبط اسم عبد القادر الغساني بالكتاب والعلم على عدة أجيال حتى إننا نحن مواليد الثمانينيات عشنا بعضًا من تجربته وأذكر أنّ اليوم الذي يزورنا فيه الأستاذ عبد القادر الغساني في مدرسة غدو بجبل إتين يكون يوما استثنائيا للمعلمين والطلبة على حد سواء فالزائر تاريخ وتجربة تربوية رائدة.

لم يجُد الزمان على النّاس بالعلم كثيرًا في فترة شباب الرجل وكان توفير لقمة العيش في آخر اليوم هو الشغل الشاغل للجميع وكان أستاذنا من المحظوظين القلائل الذين أتيحت لهم فرصة التعليم.

وفي وقت عزّت فيه القراءة والكتابة جالس عبد القادر الغساني الكتاب وبات نديمه منذ أيام الفتوة لتثمر هذه المجالسة عن مسيرة حافلة بالعلم ويأتي ختامها مسك ليُعلن الرجل في عمر متقدم عن إنشاء دار الكتاب" كأول مكتبة عامة في ظفار.

لقد عمّر الكثيرون القصور والدور ومضوا ومضت تركاتهم وذكراهم أما من بنى دارًا للكتاب فسيكون بلا شك أوفر حظًا في أن يبقى اسمه وذكره بين المتأخرين وإن فارق الحياة كجسد.

هنا يذكرنا الأستاذ عبد القادر بوصية والده الشهيرة سالم السيل الغساني والذي كان من أشهر تجار ظفار حيث أوصى بأن يتم إخراج يده اليمنى خاوية من النعش ليثبت للعامة أنّ الإنسان يذهب خالي الوفاض إلا من عمل صالح قدمه لنفسه. وقد لفتت هذه الوصية أنظار المشيعين وأصبحت مضربًا للأمثال في أن الدنيا فانية مهما طالت وأن من وفقه الله ليترك عملا خيرا بعد مماته قد حاز على الخير الكثير.

الحديث هنا مقتضب ولا يوفي أستاذ الأجيال حقه ولكنها خاطرة عابرة من على متن طائرة علها تكون مُعبِّرة عن الكثيرين الذين تلقوا هذه التجربة وخالجهم الشعور ذاته ولكنهم لم يبوحوا لنا بها في عالم الصحافة.

تحية للأستاذ عبد القادر الغساني الذي عاش مقولة" وخير جليس في الزمان كتاب" بمفهومها الأصيل وأبى إلا أن ينقلها لنا في مشروع رائد متكامل ولأفراد أسرته الذين كان لهم بلا شك الدور الفعّال في تحقيق هذه الفكرة على أرض الواقع ولكل من ساهم في إقامة هذا الصرح العملي القيم لتضحي بين أيدينا مكتبة عصرية تحوي اثني عشر ألف كتاب بمختلف تخصصاتها وتضم كل ما يحتاج إليه القارئ والباحث من أدوات بحث بالتقنية الحديثة والإنترنت. وإنه لمن محاسن القدر أن تفتتح هذه الدار تزامناً مع إعلان نزوى عاصمة للثقافة الإسلامية ومع الدورة العشرين لمعرض الكتاب في مسقط الذي يشهد زخمًا ثقافيًا ملحوظًا وكثافة في عدد الإصدارات العمانية وتطورًا ملحوظًا بكل المقاييس. وكل هذا يبعث في أنفسنا الأمل بأنّ هناك من المؤسسات والأفراد من يهتم بالعلم والثقافة والمعرفة.

تعليق عبر الفيس بوك