التطوير و الريادة

حاتم الطائي

التطوير سُنّة الحياة، والتجديد إكسيرها الذي يُضفي عليها الحيويّة والاخضرار، ويدفع نهرها الجاري نحو آفاق رحبة للتقدم باتساع الكون.

اليوم، تصدر الرؤية من مقرها الجديد في القرم، وهي نقلة مكانيّة مهمّة، بعد أن ظلت الجريدة ولخمس سنوات خلت تطالع قراءها من مكاتبها في الخوير.

والعودة إلى القرم؛ هي بمثابة عودة إلى الجذور الأولى لرحلتنا في عالم الصحافة والنشر، حيث انطلقت مؤسسة الرؤيا للصحافة والنشر من ذات المكان الذي تحل فيه الرؤية اليوم، بعد أن تطور كل من المؤسسة والمكان تطورًا نوعيًا مهمًا..

فالمؤسسة أصبحت الآن تضم العديد من الإشراقات الإعلامية والصحفيّة، وكذلك المكان أصبح أكثر حداثة واستيعابًا لمتطلبات العصر، ومواكبًا لتطورات التعمير بمبانيه الذكيّة..

مكانيًا.. أصبحت لـ"الرؤية" إطلالة على شارع مسقط السريع، وهي إطلالة سنوظّفها في المزيد من التناول الموضوعي لقضايا المجتمع العماني، والحرص على مجاراة تطلعاته، وإيقاعها المُتسارع..

وهي نقلة نوعيّة، نأمل أن تنعكس على محتوى ومضمون الجريدة، سعيًا وراء المزيد من الإجادة في الطرح الصحفي المسؤول الذي طالما عُرفت به صحيفتكم الرؤية، والتي آلينا على أنفسنا منذ اليوم الأول لصدورها أن تكون لسان الموضوعيّة، ومناط الموثوقية، ورائدة إعلام المبادرات، وقد حققت الكثير في هذا الإطار وتأمل في المزيد بدعم قرائها الأوفياء ومساندتهم الدائمة.

تكفل النقلة إلى المقر الجديد تهيئة بيئة إعلامية محفّزة على الإبداع وتجويد العطاء، والتوظيف الأمثل لمعطيات ثورة المعلومات، واستيعاب متطلبات المرحلة القادمة؛ لأنّ الإعلام الجديد أكثر قدرة على التفاعل الإيجابي مع متغيّرات العصر بصورة تعزز دوره في تكريس مفهوم الشراكة في بناء المجتمع، التزامًا بثقافة رد الجميل لهذا الوطن المعطاء، وباني نهضته الحديثة..

عملنا خلال السنوات الماضية على ترسيخ مفهوم جديد وهو "إعلام المبادرات" كجزء من استراتيجيّتنا في التفاعل مع قضايا المجتمع وخدمة التنمية، وذلك ضمن فهمنا للدور الطليعي والرائد للإعلام في خدمة المجتمع، وتغليب الجانب الرسالي للإعلام على التجاري.. ولا نقول إنّ الجانب التجاري ليس مهمًا؛ لكن عليه ألا يطغى على الجانب التنويري الذي يجب أن يكون في صدارة أولويات العمل الإعلامي..

وفي سياق هذا الفهم للإعلام الجديد، أطلقنا مجموعة من المبادرات الحيويّة الهادفة إلى خدمة مختلف فئات المجتمع وشرائحه.. وكمثال على ذلك جائزة الرؤية لمبادرات الشباب؛ وما حققته من نجاح مهم لخدمة شريحة الشباب، ونعدكم بأن تشهد الجائزة خلال الدورة المقبلة المزيد من التطوير بغيّة خلق بيئة محفّزة للابتكار والإبداع وتعميق مفهوم الشراكة المجتمعيّة.

وسنعمل خلال العام المقبل على رفد هذه المبادرات بإضافات نوعيّة لتوسيع دائرة أهدافها لتشمل المزيد من الشرائح المجتمعيّة.

إنّ رؤى التطوير ومفاهيم التقدم في هذا العصر، لاتقوم على المبنى والتقنية فقط، بل ترتكز على الإنسان، وتمكينه بتمليكه المهارات اللازمة للقيام بمهامه على أكمل وجه، لذلك لم نغفل هذا الجانب الأساسي، فكان أن اعتمدت الرؤية نهجًا تطويريًا لكوادرها والذين أضحت لهم بصمات على إعلامنا وسيكون لهم بإذن الله في مقبل الأيام المزيد من الإسهامات التي تكافئ التطلعات المعقودة عليهم..

وأقول استطرادًا: إنّه ليس كافيًا للتطوير أن تملك الاستراتيجية والخطط؛ لأنها بدون روح الفريق الواحد، ستذهب أدراج الرياح، وتتبدد في محك التطبيق العملي.. لذلك كان رهاننا على روح الفريق الواحد، وسعينا إلى بث هذه الروح في أوساط العاملين بالمؤسسة باعتبار أنّ كل الجهود تصب في بوتقة عمل تكاملي يسهم فيه الجميع بتجرّد وإخلاص..

ومسايرة لنبض العصر المتسارع، أولينا اهتمامًا كبيرًا بالنشر الإلكتروني، حتى توّج موقع الرؤية الإلكتروني بجوائز مهمّة على مستوى العالم العربي، وأصبح محل الإشادة للمستوى الذي بلغه من ناحية المحتوى المتجدد على مدار الساعة، وسهولة الاستخدام.. ومتابعو الرؤية على موعد مع المزيد من التطوير المدروس والمنهجي للموقع وتعزيز التواجد في وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف وسائله وتقنياته خلال العام المقبل.

ومن المعلوم أنّ إعلامنا العماني يواجه جملة من التحديات من أهمهما: ضعف المهنية، وتراجع الانتشار لضعف عادة القراءة في المجتمع، إضافة إلى الصعود المتسارع للإعلام الإلكتروني، مما يلقي على عاتقنا كإعلاميين مسؤوليات جسامًا في تجديد الطرح، وتحديث الوسائل؛ مواكبةً للمعطيات التي فرضتها الثورة التكنولوجية، والانفجار المعلوماتي، وهذا يستلزم من الجميع - كل في مجاله وموقعه - العمل بجدية لتجاوز هذه التحديّات.

لقد أصبح الإعلام اليوم صناعة معقدة ومتشابكة، تتداخل فيها عوامل كثيرة؛ بدءاً من اللغة، ومرورًا بالتقنية، وصولا إلى الطباعة وكلها مجالات متجددة ومتفاعلة..

لم يعد الإعلام مهنة بسيطة، أو ميدانًا للهواة، بل عملا احترافيًا في أكثر من حقل ومنها: التحرير والتصميم والطباعة والتوزيع والنقل.. كما تفرض صناعة الإعلام في بلادنا تحديات إضافية في ظل ترامي أطرافها؛ مما يجعل قضية التوزيع السريع تحديًا صعبًا يتطلب التذليل يوميًا لضمان أن تكون الجريدة في منافذ التوزيع مع انبثاق الفجر..

ويبقى التأكيد على أنّ التطوير المنشود للإعلام الجديد ينبغي أن يراعي عدم المساس بالثوابت ومن أهمّها وحدة النسيج الوطني، والولاء للسلطان، ومنظومة القيم والأخلاق العمانية المستمدة من قيمنا العربية والإسلامية..

كما أنّه يجب ألا يحيد الإعلام عن دوره في إعلاء مصالح الوطن العليا، والتعبير عن أمانيه بأعلى درجات المسؤولية والمهنيّة، وذلك تأسيسًا على قاعدة الحرية المسؤولة، والتزامًا بالقيم المهنيّة والأخلاقية للعمل الصحفي..

إنّ المرحلة الحالية التي تعيشها عُمان، تتطلب خطابًا إعلاميًا نقديًا موضوعيًا يعزز روح الانفتاح وتقبّل الرأي الآخر بما يحقق قيمة مضافة لعناصر قوة الدولة والمجتمع العماني.

تعليق عبر الفيس بوك