أسعار النفط.. تحديات وأبعاد

حاتم الطائي

أضاف انخفاض أسعار النفط، هاجسًا جديدًا على الأوضاع الاقتصادية للعديد من الدول، والتي تعاني أساسًا من آثار تداعيات الأزمة الاقتصادية المالية والتي لا تزال تلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي..

والسلطنة ليست اسثناءً من الدول المصدرة للنفط التي ستتحمل العبء الأكبر لانخفاض أسعار هذه السلعة الحيوية، والتي يرى الخبراء أنّ أسعارها ستظل منخفضة لبقيّة هذا العام وكذلك المقبل، مع توقعات بأن تظل الأسعار تراوح مكانها بين سقفين أدناهما 70 دولارًا وأعلاهما 90 دولارًا على أفضل تقدير.

وقبل أن نسترسل في تشريح أبعاد وتأثيرات هذا الانخفاض على واقعنا المحلي، تعالوا نلقي نظرة خاطفة على آليّة تسعير النفط، والتي لا تتحكم فيها عوامل اقتصادية بحتة أسوة بغيرها من السلع، بل يتداخل فيها السياسي مع الاقتصادي ليرسم المسارات والمنحنيات السعرية لـ"الذهب الأسود".

فالأمر يعود إلى مجموعة أسباب اقتصادية وسياسية، لا يتيح المجال الوقوف عليها جميعًا، ولكن نشير إلى بعضها إجمالا ومنها الأزمة الاقتصادية العالمية، وانخفاض معدلات النمو وخاصة في الصين واليابان وألمانيا مما يقلل من استيرادها لهذه السلعة، إضافة إلى الهواجس السياسيّة والحروب التي لا تلبث أن تتحول إلى حروب اقتصادية حول تقسيم مناطق النفوذ بين الأقطاب العالمية واللاعبين الكبار في المسرح الدولي.

ويخطئ من يظن أنّ النفط خارج اللعبة السياسيّة، فهو أصبح أحد الوسائل المستخدمة في هذه اللعبة، بل وأكثرها فاعلية، ويتم استخدامه ويخضع في تسعيره من قبل الدول الغربية بما يخدم مصالحها واستراتيجيّاتها في الهيمنة والنفوذ من جهة، وإضعاف الدول المنتجة من جهة أخرى.. والأمثلة واضحة وماثلة للعيان فالعقوبات الاقتصادية على إيران والتي يمثل النفط المستهدف الرئيسي بها، تقف دليلا على ذلك، وكذلك الحال بالنسبة للعقوبات التي أوقعها الغرب مؤخرًا على روسيا، فالنفط حاضر فيها أيضا بقوة، مما ألحق أضرارًا كبيرة بالاقتصاد الروسي حيث تراجعت العملة الروسية "الروبل" بنسبة تاريخيّة وبأكثر من 40% من قيمتها، ويترتب على ذلك انحسار للدور السياسي الروسي.. وهذا هو هدف الغرب.

لقد جاء اتفاق "أوبك" قبل أيام في فينا بالإبقاء على نظام الحصص الحالية دون تغيير، وعدم خفض الإنتاج النفطي؛ ليزيد من مخاوف انخفاض أسعار الخام نتيجة زيادة المعروض والمقدر حاليا بـ30 مليون برميل يوميًا، وإذا أخذنا في الحسبان زيادة إنتاج أمريكا من النفط الصخري والذي وصل إلى أربعة ملايين برميل يومياً، نصل إلى نتيجة مفادها أنّ الأسواق متشبّعة.. وهذه التخمة في المعروض ترشح الأسعار إلى المزيد من الانخفاض الذي يضر باقتصادات الدول المنتجة حيث إنّ دولا مثل إيران وفنزويلا وليبيا ونيجيريا وعمان وغيرها.. تتطلب ميزانياتها متوسطًا للأسعار لا يقل عن 100 دولار.. مما يجعلها تعاني أوضاعًا اقتصادية استثنائية قد تؤدي إلى اضطرابات وقلاقل تعوق الاستقرار وتعطل قاطرة التنمية التي تعتمد في سيرها على النفط..

هذه الأوضاع تبدو أقرب إلى حرب اقتصادية غير معلنة، ستطول ألسنة نيرانها في المدى البعيد حتى تلك الدول الخليجية التي تتمتع حاليًا بفوائض ماليّة كبيرة والتي ستجد نفسها في نهاية المطاف واقعة تحت تأثير ذيول هذه الحرب..

وتأثيرات التراجع في أسعار النفط تنعكس على السلطنة أكثر من غيرها من الدول المنتجة بسبب محدودية الإنتاج والمخزون، والاعتمادية العالية على النفط حيث يتجاوز إسهام النفط والغاز في تقديرات الموازنة العامة للدولة لعام 2015 نحو 82%؛ لذلك علينا أن نتكيّف مع الأوضاع الاقتصادية الجديدة الناجمة عن انخفاض أسعار النفط بما يقدر بـ35% وهو ليس بالأمر السهل على اقتصاد يعتمد بشكل كبير وواسع على النفط. والمتابع لبيان معالي درويش بن إسماعيل البلوشي الوزير المسؤول عن الشؤون المالية حول مشروع الموازنة العامة للدولة لعام 2015 أمام مجلس الشورى، وردود معاليه على أعضاء المجلس، يجد أنّه وضع كل الأوراق على الطاولة وبكل شفافية، فقد أوضح وبلغة الأرقام حجم الإيرادات التي تقدر بحوالي 12.5 مليار ريال، فيما سيصل الإنفاق إلى 15 مليار ريال. وبذلك يكون هناك عجز متوقع بنحو 2.5 مليار ريال هذا مع احتساب سعر برميل النفط بمبلغ 85 دولارًا..

وأجدني اتفق مع معالي الوزير المسؤول عن الشؤون المالية في ضرورة اتخاذ إجراءات تكفل الاستقرار المالي للسلطنة، لأنّه رغم صعوبة المعالجات خاصة تلك المتعلقة بإيقاف الترقيات، وترشيد الإنفاق العام ورفع الإيرادات؛ هذه الإجراءات رغم عدم شعبيتها إلا أنها أمر لابد منه، لتجنيب البلاد هزّات ماليّة قد تطيح بما اشتهرت به من استقرار اقتصادي.. فاقتصادنا الوطني أثبت متانته على الرغم من الأزمات الاقتصادية المحيطة بالعالم من أقصاه إلى أقصاه، وعلينا أن نحافظ على هذه القوة، وإن تطلب ذلك شيئًا من التضحيات من قبل الجميع.. وفي سبيل ذلك علينا أن نتخلى عن النظرة الذاتية والفئوية للأمور في تقييمنا للإجراءات الاقتصادية المُزمع اتخاذها، ومن المستغرب أن يحصر البعض كل الموازنة العامة للدولة في الجزئية المتعلقة بالترقيات، غافلين عن الصورة الكليّة للمشهد الاقتصادي والظروف الصعبة والتحديات الكبيرة التي يواجهها اقتصادنا مما يتطلب منا أن نتكاتف لنعبر إلى بر الأمان، ونتجاوز الأزمة سوية..

نواجه اليوم تحديًا اقتصاديًا كبيرًا ولابد لنا من أن نخفض سقف طموحاتنا قليلاً حتى تعود أسعار النفط إلى معدلاتها المعتادة فوق المائة دولار، عندها نعيد ترتيب أولوياتنا مرة أخرى.. كما أن علينا أن نستقي المعلومات من مصادرها ومن العارفين بالأمور مما يتطلب زيادة جرعة الوعي الاقتصادي في الإعلام.

أقول: ما ينبغي أن نركز عليه اليوم هو زيادة الكفاءة في العمل، والارتقاء بمستوى الجودة، وحماية المال العام، وترشيد الإنفاق الحكومي قدر الإمكان. وينبغي أن نسأل أنفسنا كيف يمكن لاقتصادنا الوطني أن يوفر المزيد من الفرص للشباب العمانيين وخاصة من ذوي الكفاءات؟ وكيف لنا أن نعزز من مساهمة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الناتج القومي؟ وما الطريقة المُثلى لفك الاحتكار وخاصة في قطاع السيّارات والمواد الغذائيةّ؟ وغيرها من أسئلة تعكس التحديات الحقيقيّة التي تواجه اقتصادنا. وبالإجمال: علينا كمواطنين أن نكون مستعدين للتكيّف مع المتغيّرات الاقتصاديّة. وأكثر تفهمًا للإجراءات التي تهدف في محصلتها النهائية إلى دعم اقتصادنا الوطني ورفده بعوامل القوة التي تجعله قادرًا على مواجهة التحديات والتغلب على الصعاب.

 

 

تعليق عبر الفيس بوك